وجملة ﴿ لّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشيطان فِتْنَةً ﴾ للتعليل، أي ذلك الإلقاء الذي يلقيه الشيطان فتنة، أي ضلالة ﴿ لّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ﴾ أي شكّ ونفاق ﴿ والقاسية قُلُوبُهُمْ ﴾ : هم المشركون، فإن قلوبهم لا تلين للحق أبداً ولا ترجع إلى الصواب بحال، ثم سجل سبحانه على هاتين الطائفتين : وهما : من في قلبه مرض، ومن في قلبه قسوة بأنهم ظالمون فقال :﴿ وَإِنَّ الظالمين لَفِى شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾ أي عداوة شديدة، ووصف الشقاق بالبعد مبالغة، والموصوف به في الحقيقة من قام به.
ولما بين سبحانه أن ذلك الإلقاء كان فتنة في حقّ أهل النفاق والشكّ والشرك بيّن أنه في حقّ المؤمنين العالمين بالله العارفين به سبب لحصول العلم لهم بأن القرآن حقّ وصدق فقال :﴿ وَلِيَعْلَمَ الذين أُوتُواْ العلم أَنَّهُ الحق مِن رَّبّكَ ﴾ أي : الحقّ النازل من عنده.
وقيل : إن الضمير في ﴿ أنه ﴾ راجع إلى تمكين الشيطان من الإلقاء، لأنه مما جرت به عادته مع أنبيائه، ولكنه يردّ هذا قوله :﴿ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ ﴾ فإن المراد الإيمان بالقرآن، أي يثبتوا على الإيمان به ﴿ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ﴾ أي تخشع وتسكن وتنقاد، فإن الإيمان به وإخبات القلوب له لا يمكن أن يكونا تمكين من الشيطان بل للقرآن ﴿ وإن الله لهاد الذين آمنوا ﴾ في أمور دينهم ﴿ إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ ﴾ أي طريق صحيح لاعوج به.
وقرأ أبو حيوة :" وإن الله لهاد الذين آمنوا " بالتنوين.
﴿ وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مّنْهُ ﴾ أي في شكّ من القرآن.
وقيل : في الدين الذي يدل عليه ذكر الصراط المستقيم.