وقال ابن الجوزى :
قوله تعالى :﴿ لكلِّ أُمَّة جعلنا مَنْسَكاً ﴾
قد سبق بيانه في هذه السورة [ الحج : ٣٤ ] ﴿ فلا يُنَازِعُنَّكَ في الأمر ﴾ أي : في الذبائح، وذلك أن كفار قريش وخزاعة خاصموا رسول الله ﷺ في أمر الذبيحة، فقالوا : كيف تأكلون ما قتَلتم ولا تأكلون ما قتله الله؟! يعنون : الميتة.
فإن قيل : إِذا كانوا هم المنازعين له، فكيف قيل :"فلا يُنَازِعُنَّكَ في الأمر"؟
فقد أجاب عنه الزجاج، فقال : المراد : النهي له عن منازعتهم، فالمعنى : لا تنازعنَّهم، كما تقول للرجل : لا يخاصمنَّك فلان في هذا أبداً، وهذا جائز في الفعل الذي لا يكون إِلا من اثنين، لأن المجادلة والمخاصمة لا تتم إِلا باثنين، فإذا قلت : لا يجادلنَّك فلان، فهو بمنزلة : لا تجادلنَّه، ولا يجوز هذا في قولك : لا يضربنَّك فلان وأنت تريد : لا تضربنَّه، [ ولكن ] لو قلت : لا يضاربنَّك فلان، لكان كقولك : لا تضاربنَّ، ويدل على هذا الجواب قوله :﴿ وإِن جادلوك ﴾.
قوله تعالى :﴿ وادع إِلى ربِّك ﴾ أي : إِلى دينه والإِيمان به.
و"جادلوك" بمعنى : خاصموك في أمر الذبائح، ﴿ فقل الله أعلمُ بما تعملون ﴾ من التكذيب، فهو يجازيكم به.
﴿ الله يحكم بينكم يوم القيامة ﴾ أي : يقضي بينكم ﴿ فيما كنتم فيه تختلفون ﴾ من الدِّين، أي : تذهبون إِلى خلاف ما ذهب إِليه المؤمنون ؛ وهذا أدب حسن علَّمه الله عباده ليردُّوا به مَن جادل على سبيل التعنُّت، ولا يجيبوه، ولا يناظروه.

فصل


قال أكثر المفسرين : هذا نزل قبل الأمر بالقتال، ثم نسخ بآية السيف.
وقال بعضهم : هذا نزل في حق المنافقين، كانت تظهر من أقوالهم وأفعالهم فلَتات تدل على شركهم، ثم يجادِلون على ذلك، فوكل أمرهم إِلى الله تعالى، فالآية على هذا محكمة. أ هـ ﴿زاد المسير حـ ٥ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon