والثالث : أنه جهاد النفس والهوى، قاله عبد الله بن المبارك.
فأما حق الجهاد، ففيه ثلاثة أقوال.
أحدها : أنَّه الجِدُّ في المجاهدة، واستيفاء الإِمكان فيها.
والثاني : أنه إِخلاص النِّيَّة لله عز وجل.
والثالث : أنه فِعل ما فيه وفاء لحق الله عز وجل.

فصل


وقد زعم قوم أن هذه الآية منسوخة، واختلفوا في ناسخها على قولين.
أحدهما : قوله :﴿ لا يكلف الله نفساً إِلا وسعها ﴾ [ البقرة : ٢٨٦ ].
والثاني : قوله :﴿ فاتقوا الله ما استطعتم ﴾ [ التغابن : ١٦ ].
وقال آخرون : بل هي مُحْكَمَةٌ، ويؤكده القولان الأولان في تفسير حق الجهاد، وهو الأصح، لأن الله تعالى لا يكلِّف نفساً إِلا وسعها.
قوله تعالى :﴿ هو اجتباكم ﴾ أي : اختاركم واصطفاكم لدينه.
والحرج : الضِّيق، فما من شيء وقع الإِنسان فيه إِلا وجد له في الشرع مَخرجاً بتوبة أو كفارة أو انتقالٍ إِلى رخصة ونحو ذلك.
وروي عن ابن عباس أنه قال : الحرج : ما كان على بني إِسرائيل من الإِصر والشدائد، وضعه الله عن هذه الأمة.
قوله تعالى :﴿ مِلَّةَ أبيكم ﴾ قال الفراء : المعنى : وسّع عليكم كملَّة أبيكم، فإذا ألقيتَ الكاف نصبتَ، ويجوز النصب على معنى الأمر بها، لأن أول الكلام أمر، وهو قوله :"اركعوا واسجدوا" والزموا ملَّة أبيكم.
فإن قيل : هذا الخطاب للمسلمين، وليس إِبراهيم أباً لكُلِّهم.
فالجواب : أنه إِن كان خطاباً عامّاً للمسلمين، فهو كالأب لهم، لأن حرمته وحقَّه عليهم كحق الولد، وإِن كان خطاباً للعرب خاصة، فإبراهيم أبو العرب قاطبة، هذا قول المفسرين.
والذي يقع لي أن الخطاب لرسول الله ﷺ، لأن إِبراهيم أبوه، وأُمَّة رسول الله ﷺ داخلة فيما خوطب به رسول الله.
قوله تعالى :﴿ هو سمَّاكم المسلمين ﴾ في المشار إِليه قولان.


الصفحة التالية
Icon