أما النوع الثاني : وهو المأمور به فقد ذكر الله أموراً أربعة : الأول : الصلاة وهو المراد من قوله :﴿اركعوا واسجدوا﴾ وذلك لأن أشرف أركان الصلاة هو الركوع والسجود والصلاة هي المختصة بهذين الركنين فكان ذكرهما جارياً مجرى ذكر الصلاة وذكر ابن عباس رضي الله عنهما أن الناس في أول إسلامهم كانوا يركعون ولا يسجدون حتى نزلت هذه الآية الثاني : قوله :﴿وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ﴾ وذكروا فيه وجوهاً : أحدها : اعبدوه ولا تعبدوا غيره وثانيها : واعبدوا ربكم في سائر المأمورات والمنهيات وثالثها : افعلوا الركوع والسجود وسائر الطاعات على وجه العبادة لأنه لا يكفي أن يفعل فإنه ما لم يقصد به عبادة الله تعالى لا ينفع في باب الثواب فلذلك عطف هذه الجملة على الركوع والسجود الثالث : قوله تعالى :﴿وافعلوا الخير﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما يريد به صلة الرحم ومكارم الأخلاق والوجه عندي في هذا الترتيب أن الصلاة نوع من أنواع العبادة والعبادة نوع من أنواع فعل الخير، لأن فعل الخير ينقسم إلى خدمة المعبود الذي هو عبارة عن التعظيم لأمر الله وإلى الإحسان الذي هو عبارة عن الشفقة على خلق الله ويدخل فيه البر والمعروف والصدقة على الفقراء وحسن القول للناس فكأنه سبحانه قال كلفتكم بالصلاة بل كلفتكم بما هو أعم منها وهو العبادة بل كلفتكم بما هو أعم من العبادة وهو فعل الخيرات.
أما قوله تعالى :﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ فقيل معناه لتفلحوا، والفلاح الظفر بنعيم الآخرة، وقال الإمام أبو القاسم الأنصاري لعل كلمة للترجية فإن الإنسان قلما يخلو في أداء الفريضة من تقصير وليس هو على يقين من أن الذي أتي به هل هو مقبول عند الله تعالى والعواقب أيضاً مستورة "وكل ميسر لما خلق له" الرابع : قوله تعالى :﴿وجاهدوا فِى الله حَقَّ جهاده﴾ قال صاحب "الكشاف" ﴿فِى الله﴾ أي في ذات الله، ومن أجله.


الصفحة التالية
Icon