النوع الرابع : شرح ما يجري مجرى المؤكد لما مضى، وهو قوله :﴿فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة﴾ ويجب صرفها إلى المفروضات لأنها هي المعهودة ﴿واعتصموا بالله﴾ أي بدلائله العقلية والسمعية وألطافه وعصمته، قال ابن عباس :"سلوا الله العصمة عن كل المحرمات" وقال القفال : اجعلوا الله عصمة لكم مما تحذرون هو مولاكم وسيدكم المتصرف فيكم فنم المولى ونعم البصير، فكأنه سبحانه قال أنا مولاك بل أنا ناصرك وحسبك، واعلم أن المعتزلة احتجوا بهذه الآيات من وجوه : أحدها : أن قوله :﴿لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى الناس﴾ يدل على أنه سبحانه أراد الإيمان من الكل، لأنه تعالى لا يجعل الشهيد على عباده إلا من كان عدلاً مرضياً، فإذا أراد أن تكونوا شهداء على الناس فقد أراد تكونوا جميعاً صالحين عدولاً، وقد علمنا أن منهم فاسقاً، فدل ذلك على أن الله تعالى أراد من الفسق كونه عدلاً وثانيها : قوله :﴿واعتصموا بالله﴾ وكيف يمكن الاعتصام به مع أن الشر لا يوجد إلا منه ؟ وثالثها : قوله :﴿فَنِعْمَ المولى﴾ لأنه لو كان كما يقوله أهل السنة من أنه خلق أكثر عباده ليخلق فيهم الكفر والفساد ثم يعذبهم لما كان نعم المولى، بل كان لا يوجد من شرار الموالي أحد إلا وهو شر منه.
فكان يجب أن يوصف بأنه بئس المولى وذلك باطل فدل على أنه سبحانه ما أراد من جميعهم إلا الصلاح.
فإن قيل لم لا يجوز أن يكون نعم المولى للمؤمنين خاصة كما أنه نعم النصير لهم خاصة ؟ قلنا إنه تعالى مولى المؤمنين والكافرين جميعاً فيجب أن يقال إنه نعم المولى للمؤمنين وبئس المولى للكافرين.
فإن ارتكبوا ذلك فقد ردوا القرآن والإجماع وصرحوا بشتم الله تعالى، ورابعها : أن قوله :﴿سماكم المسلمين مِن قَبْلُ﴾ يدل على إثبات الأسماء الشرعية وأنها من قبل الله تعالى لأنها لو كانت لغة لما أضيفت إلى الله تعالى على وجه الخصوص.