وَيُحْتَجُّ بِهِ فِي كُلِّ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَوَادِثِ أَنَّ مَا أَدَّى إلَى الضِّيقِ فَهُوَ مَنْفِيٌّ وَمَا أَوْجَبَ التَّوْسِعَةَ فَهُوَ أَوْلَى، وَقَدْ قِيلَ :﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ أَنَّهُ مِنْ ضِيقٍ لَا مَخْرَجَ مِنْهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مِنْهُ مَا يُتَخَلَّصُ مِنْهُ بِالتَّوْبَةِ وَمِنْهُ مَا تُرَدُّ بِهِ الْمَظْلِمَةُ، فَلَيْسَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ مَا لَا سَبِيلَ إلَى الْخَلَاصِ مِنْ عُقُوبَتِهِ.
وَقَوْلُهُ ﴿ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ ﴾ الْخِطَابُ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ كُلُّهُمْ رَاجِعًا بِنَسَبِهِ إلَى أَوْلَادِ إبْرَاهِيمَ، فَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ حُرْمَةَ إبْرَاهِيمِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَحُرْمَةِ الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ كَمَا قَالَ تَعَالَى :﴿ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾ وَفِي بَعْضِ الْقِرَاءَاتِ :" وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ ".
قَوْله تَعَالَى :﴿ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ :" يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمِينَ ".
وَقِيلَ : إنَّ إبْرَاهِيمَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ إبْرَاهِيمَ :﴿ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَك ﴾ وقَوْله تَعَالَى :﴿ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ :" مِنْ قَبْلِ الْقُرْآنِ وَفِي الْقُرْآنِ ".
وقَوْله تَعَالَى :﴿ هُوَ اجْتَبَاكُمْ ﴾ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ عُدُولٌ مَرْضِيُّونَ، وَفِي ذَلِكَ بُطْلَانُ طَعْنِ الطَّاعِنِينَ عَلَيْهِمْ ؛ إذْ كَانَ اللَّهُ لَا يَجْتَبِي إلَّا أَهْلَ طَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِ مَرْضَاتِهِ، وَفِي ذَلِكَ مَدْحٌ لِلصَّحَابَةِ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ وَدَلِيلٌ عَلَى طَهَارَتِهِمْ.


الصفحة التالية
Icon