ثم جرت الألفاظ الدالة على هذه المعاني على لسانه في اليوم لم يبر في يمينه ولو جرى على لسانه في ظلمة الليل وذلك الإنسان حاضر وهو لا يعرف حضوره ولا يراه لا يصير باراً في يمينه، ولا يكون كلامه خطاباً معه ما لم يكن حاضراً بقلبه، ولو جرت هذه الكلمات على لسانه وهو حاضر في بياض النهار إلا أن المتكلم غافل لكونه مستغرق الهم بفكر من الأفكار ولم يكن له قصد توجيه الخطاب عليه عند نطقه لم يصر باراً في يمينه، ولا شك أن المقصود من القراءة الأذكار والحمد والثناء والتضرع والدعاء والمخاطب هو الله تعالى، فإذا كان القلب محجوباً بحجاب الغفلة وكان غافلاً عن جلال الله وكبريائه، ثم إن لسانه يتحرك بحكم العادة فما أبعد ذلك عن القبول.
وأما الركوع والسجود فالمقصود منهما التعظيم، ولو جاز أن يكون تعظيماً لله تعالى مع أنه غافل عنه، لجاز أن يكون تعظيماً للصنم الموضوع بين يديه وهو غافل عنه، ولأنه إذا لم يحصل التعظيم لم يبق إلا مجرد حركة الظهر والرأس، وليس فيها من المشقة ما يصير لأجله عماداً للدين، وفاصلاً بين الكفر والإيمان، ويقدم على الحج والزكاة والجهاد وسائر الطاعات الشاقة، ويجب القتل بسببه على الخصوص، وبالجملة فكل عاقل يقطع بأن مشاهدة الخواص العظيمة ليس أعمالها الظاهرة إلا أن ينضاف إليها مقصود هذه المناجاة، فدلت هذه الاعتبارات على أن الصلاة لا بد فيها من الحضور وسابعها : أن الفقهاء اختلفوا فيما ينويه بالسلام عند الجماعة والانفراد، هل ينوي الحضور أو الغيبة والحضور معاً.


الصفحة التالية
Icon