الصفة الثالثة : قوله تعالى :﴿والذين هُمْ عَنِ اللغو مُّعْرِضُونَ﴾ وفي اللغو أقوال : أحدها : أنه يدخل فيه كل ما كان حراماً أو مكروهاً أو كان مباحاً، ولكن لا يكون بالمرء إليه ضرورة وحاجة وثانيها : أنه عبارة عن كل ما كان حراماً فقط، وهذا التفسير أخص من الأول وثالثها : أنه عبارة عن المعصية في القول والكلام خاصة، وهذا أخص من الثاني ورابعها : أنه المباح الذي لا حاجة إليه، واحتج هذا القائل بقوله تعالى :﴿لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ الله باللغو فِى أيمانكم﴾ [ المائدة : ٨٩ ] فكيف يحمل ذلك على المعاصي التي لا بد فيها من المؤاخذة، واحتج الأولون بأن اللغو إنما سمي لغواً بما أنه يلغي وكل ما يقتضي الدين إلغاءه كان أولى باسم اللغو، فوجب أن يكون كل حرام لغواً، ثم اللغو قد يكون كفراً لقوله :﴿لاَ تَسْمَعُواْ لهذا القرءان والغوا فِيهِ﴾ [ فصلت : ٢٦ ] وقد يكون كذباً لقوله :﴿لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاغية﴾ [ الغاشية : ١١ ] وقوله :﴿لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً﴾ [ الواقعة : ٢٥ ] ثم إنه سبحانه وتعالى مدحهم بأنهم يعرضون عن هذا اللغو والإعراض عنه، هو بأن لا يفعله ولا يرضى به ولا يخالط من يأتيه، وعلى هذا الوجه قال تعالى :﴿وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِراماً﴾ [ الفرقان : ٧٢ ] واعلم أنه سبحانه وتعالى لما وصفهم بالخشوع في الصلاة أتبعه الوصف بالإعراض عن اللغو، ليجمع لهم الفعل والترك الشاقين على الأنفس الذين هما قاعدتا بناء التكليف وهو أعلم.