قال العارفون هذه الواقعة كانت سبب السعادة لعمر، وسبب الشقاوة لعبد الله كما قال تعالى :﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا﴾ [ البقرة : ٢٦ ] فإن قيل فعلى كل الروايات قد تكلم البشر ابتداء بمثل نظم القرآن، وذلك يقدح في كونه معجزاً كما ظنه عبد الله والجواب : هذا غير مستبعد إذا كان قدره القدر الذي لا يظهر فيه الإعجاز فسقطت شبهة عبدالله.
المرتبة الثامنة : قوله :﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلك لَمَيّتُونَ﴾ قرأ ابن أبي عبلة وابن محيصن ﴿لمائتون﴾ والفرق بين الميت والمائت، أن الميت كالحي صفة ثابتة، وأما المائت فيدل على الحدوث تقول زيد ميت الآن ومائت غداً، وكقولك يموت ونحوهما ضيق وضائق في قوله :﴿وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ﴾ [ هود : ١٢ ].
المرتبة التاسعة : قوله :﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القيامة تُبْعَثُونَ﴾ فالله سبحانه جعل الإماتة التي هي إعدام الحياة والبعث الذي هو إعادة ما يفنيه ويعدمه دليلين أيضاً على اقتدار عظيم بعد الإنشاء والاختراع وههنا سؤالات :
السؤال الأول : ما الحكمة في الموت، وهلا وصل نعيم الآخرة وثوابها بنعيم الدنيا فيكون ذلك في الأنعام أبلغ ؟ والجواب : هذا كالمفسدة في حق المكلفين لأنه متى عجل للمرء الثواب فيما يتحمله من المشقة في الطاعات صار إتيانه بالطاعات لأجل تلك المنافع لا لأجل طاعة الله، يبين ذلك أنه لو قيل لمن يصلي ويصوم إذا فعلت ذلك أدخلناك الجنة في الحال، فإنه لا يأتي بذلك الفعل إلا لطلب الجنة، فلاجرم أخره الله تعالى وبعده بالإماتة ثم الإعادة ليكون العبد عابداً لربه بطاعته لا لطلب الانتفاع.