والصحيح أنه عام في هذا وفي غيره من النطق والإدراك وحسن المحاولة وتحصيل المعقولات إلى أن يموت.
الرابعة : قوله تعالى :﴿ فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين ﴾ يروى أن عمر بن الخطاب لما سمع صدر الآية إلى قوله :﴿ خَلْقاً آخَرَ ﴾ قال فتبارك الله أحسن الخالقين ؛ فقال رسول الله ﷺ :"هكذا أنزلت".
وفي مسند الطَّيَالِسِيّ : ونزلت ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ ﴾ الآية ؛ فلما نزلت قلت أنا : تبارك الله أحسن الخالقين ؛ فنزلت ﴿ فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين ﴾.
ويروى أن قائل ذلك معاذ بن جَبَل.
وروي أن قائل ذلك عبد الله بن أبي سَرْح، وبهذا السبب ارتد وقال ؛ آتي بمثل ما يأتي محمد ؛ وفيه نزل ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ الله ﴾ [ الأنعام : ٩٣ ] على ما تقدم بيانه في "الأنعام".
وقوله تعالى "تبارك" تفاعل من البركة.
﴿ أَحْسَنُ الخالقين ﴾ أتقن الصانعين.
يقال لمن صنع شيئاً خَلَقه ؛ ومنه قول الشاعر :
ولأنت تَفْرِي ما خلقتَ وبع...
ضُ القوم يَخْلُقُ ثم لا يَفْرِي
وذهب بعض الناس إلى نفي هذه اللفظة عن الناس وإنما يضاف الخلق إلى الله تعالى.
وقال ابن جُريج : إنما قال :"أحسن الخالقين" لأنه تعالى قد أذن لعيسى عليه السلام أن يخلق ؛ واضطرب بعضهم في ذلك.
ولا تُنْفَى اللفظة عن البشر في معنى الصنع ؛ وإنما هي منفية بمعنى الاختراع والإيجاد من العدم.
الخامسة : من هذه الآية قال ابن عباس لعمر حين سأل مشيخة الصحابة عن ليلة القدر فقالوا : الله أعلم ؛ فقال عمر : ما تقول يا ابن عباس؟ فقال : يا أمير المؤمنين إن الله تعالى خلق السموات سبعاً والأَرضِين سبعاً، وخلق ابن آدم من سبع وجعل رزقه في سبع، فأراها في ليلة سبع وعشرين.