وقرأ السلمي وقتادة أيضاً والأعرج والأعمش ومجاهد وابن محيصن بإفراد الأول وجمع الثاني.
وقرأ أبو رجاء وإبراهيم بن أبي بكر ومجاهد أيضاً بجمع الأول وإفراد الثاني فالإفراد يراد به الجنس.
وقال الزمخشري : وضع الواحد موضع الجمع لزوال اللبس لأن الإنسان ذو عظام كثيرة انتهى.
وهذا لا يجوز عند سيبويه وأصحابنا إلاّ في الضرورة وأنشدوا :
كلوا في بعض بطنكم تعفوا...
ومعلوم أن هذا لا يلبس لأنهم كلهم ليس لهم بطن واحد ومع هذا خصوا مجيئه بالضرورة ﴿ ثم أنشأناه خلقاً آخر ﴾ قال ابن عباس والشعبي وأبو العالية والضحاك وابن زيد، هو نفخ الروح فيه.
وقال ابن عباس أيضاً : خروجه إلى الدنيا.
وقالت فرقة : نبات شعره.
وقال مجاهد : كمال شبابه.
وقال ابن عباس أيضاً تصرفه في أمور الدنيا.
قال ابن عطية : وهذا التخصيص لا وجه له وإنما هو عام في هذا وغيره من وجود النطق والإدراك، وأول رتبة من كونه آخر نفخ الروح وآخره تحصيله المعقولات إلى أن يموت انتهى.
ملخصاً وهو قريب مما رواه العوفي عن ابن عباس، ويدل عليه قوله بعد ذلك ﴿ ثم إنكم بعد ذلك لميتون ﴾.
وقال الزمخشري ما ملخصه :﴿ خلقاً آخر ﴾ مبايناً للخلق الأول مباينة ما أبعدها حيث جعله حيواناً ناطقاً سميعاً بصيراً، وأودع كل عضو وكل جزء منه عجائب وغرائب لا تدرك بوصف ولا تبلغ بشرح، وقد احتج أبو حنيفة بقوله ﴿ خلقاً آخر ﴾ على أن غاصب بيضة أفرخت عنده يضمن البيضة ولا يرد الفرخ.
وقال ﴿ أنشأنا ﴾ جعل إنشاء الروح فيه وإتمام خلقه إنشاءً له.
قيل : وفي هذا رد على النظام في زعمه أن الإنسان هو الروح فقط، وقد بيّن تعالى أنه مركب من هذه الأشياء ورد على الفلاسفة في زعمهم أن الإنسان شيء لا ينقسم، وتبارك فعل ماض لا يتصرف.