ومعنى ﴿ خَلَقْنَا ﴾ [ المؤمنون : ١٢ ] أوجدنا من عدم، وسبق أن قلنا : إن الله تعالى أثبت للبشر صفة الخَلْق أيضاً مع الفارق بين خَلْق الله من عدم وخَلْق البشر من موجود، وخَلْق الله فيه حركة وحياة فينمو ويتكاثر، أما ما يخلق البشر فيجمد على حاله لا يتغير ؛ لذلك وصف الحق سبحانه ذاته فقال :﴿ فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين ﴾ [ المؤمنون : ١٤ ].
أما قَوْل القرآن حكايةً عن عيسى عليه السلام :﴿ أَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ الطين كَهَيْئَةِ الطير.. ﴾ [ آل عمران : ٤٩ ] فهذه من خاصياته عليه السلام، والإيجاد فيها بأمر من الله يُجريه على يد نبيه.
فالمعنى :﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان.. ﴾ [ المؤمنون : ١٢ ] أي : الإنسان الأول، وهو آدم عليه السلام ﴿ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ.. ﴾ [ المؤمنون : ١٢ ] والسلالة : خلاصة الشيء تُسَلُّ منه كما يُسَلُّ السيف من غِمْده أي : الجراب الذي يُوضَع فيه، فالسيف هو الأداة الفتاكة الفاعلة، أما الغِمْد فهو مجرد حافظ وحامل لهذا الشيء الهام.
فالسلالة - إذن - هي أجود ما في الشيء، وقد خلق الله الإنسان الأول من أجود عناصر الطين وأنواعه، وهي زُبْد الطين، فلو أخذتَ قبضة من الطين وضغطتَ عليها بين أصابعك يتفلَّتْ منها الزبد، وهو أجود ما في الطين ويبقى في قبضتك بقايا رمال وأشياء خشنة.
" ولما أحب سيدنا حسان بن ثابت أنْ يهجوَ قريشاً لمعاداتهم لرسول الله ﷺ قال : إئذن لي يا رسول الله أنْ أَهْجُوهم من على المنبر فقال ﷺ : أتهجوهم وأنا منهم؟ فقال حسان : أسلُّك منهم كما تُسَلُّ الشعرة من العجين ".