أما قوله تعالى :﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَآءً بِقَدَرٍ﴾ فقد اختلفوا في السماء فقال الأكثرون من المفسرين إنه تعالى ينزل الماء في الحقيقة من السماء وهو الظاهر من اللفظ ويؤكده قوله :﴿وَفِي السماء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾ [ الذاريات : ٢٢ ] وقال بعضهم المراد السحاب وسماه سماء لعلوه، والمعنى أن الله تعالى أصعد الأجزاء المائية من قعر الأرض إلى البحار ومن البحار إلى السماء حتى صارت عذبة صافية بسبب ذلك التصعيد، ثم إن تلك الذرات تأتلف وتتكون ثم ينزله الله تعالى على قدر الحاجة إليه، ولولا ذلك لم ينتفع بتلك المياه لتفرقها في قعر الأرض ولا بماء البحار لملوحته ولأنه لا حيلة في إجراء مياه البحار على وجه الأرض لأن البحار هي الغاية في العمق، واعلم أن هذه الوجوه إنما يتمحلها من ينكر الفاعل المختار فأما من أقربه فلا حاجة به إلى شيء منها.
أما قوله تعالى :﴿بِقَدَرٍ﴾ فمعناه بتقدير يسلمون معه من المضرة ويصلون إلى المنفعة في الزرع والغرس والشرب، أو بمقدار ما علمناه من حاجاتهم ومصالحهم.
أما قوله :﴿فَأَسْكَنَّاهُ فِى الأرض﴾ قيل معناه جعلناه ثابتاً في الأرض، قال ابن عباس رضي الله عنهما أنزل الله تعالى من الجنة خمسة أنهار سيحون وجيحون ودجلة والفرات والنيل، ثم يرفعها عند خروج يأجوج ومأجوج ويرفع أيضاً القرآن.
أماقوله :﴿وَإِنَّا على ذَهَابٍ بِهِ لقادرون﴾ أي كما قدرنا على إنزاله فكذلك نقدر على رفعه وإزالته، قال صاحب "الكشاف" وقوله :﴿على ذَهَابٍ بِهِ﴾ من أوقع النكرات وأخرها للفصل.
والمعنى على وجه من وجوه الذهاب به وطريق من طرقه.