وقال أبو السعود :
﴿ قَالَ ﴾ استئنافٌ مبنيٌّ على سؤالٍ نشأ من حكايةِ كلامِ الكَفَرةِ كأنَّه قيل فماذا قال عليه السَّلامُ بعدما سمع منهم هذه الأباطيلَ فقيل قال لمَّا رآهم قد أصرُّوا على الكفر والتَّكذيبِ وتمادَوا في الغواية والضَّلالِ حتَّى يئسَ من إيمانهم بالكلِّيةِ وقد أوحى اللَّهُ إليه أنه لنْ يؤمنَ من قومك إلاَّ مَن قد آمنَ ﴿ رَبّ انصرنى ﴾ بإهلاكهم بالمرَّةِ فإنَّه حكاية إجماليَّةٌ لقوله عليه السَّلامُ. ﴿ رَّبّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّاراً ﴾ الخ ﴿ بِمَا كَذَّبُونِ ﴾ أي بسبب تكذيبهم إيَّاي أو بدل تكذيبهم ﴿ فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ ﴾ عند ذلك ﴿ أَنِ اصنع الفلك ﴾ أنْ مفسِّرة لما في الوحي من معنى القول ﴿ بِأَعْيُنِنَا ﴾ ملتبساً بحفظِنا وكلاءتِنا كأنَّ معه عليه السَّلامُ منه عزَّ وعلا حُفَّاظاً وحُرَّاساً يكلؤونه بأعينهم من التَّعدِّي أو من الزَّيغِ في الصَّنعةِ. ﴿ وَوَحْيِنَا ﴾ وأمرِنا وتعليمنا لكيفيَّة صُنعها والفاء في قوله تعالى :﴿ فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا ﴾ لترتيب مضمون ما بعدها على تمام صُنع الفُلك. والمرادُ بالأمر العذابُ كما في قوله تعالى :﴿ لاَ عَاصِمَ اليوم مِنْ أَمْرِ الله ﴾ لا الأمرُ بالرُّكوبِ كما قيل وبمجيئه كمالُ اقترابهِ أو ابتداءُ ظهورهِ. أي إذا جاء إثرَ تمامِ الفُلكِ عذابُنا وقوله تعالى :﴿ وَفَارَ التنور ﴾ عطفُ بيانٍ لمجيء الأمر. رُوي أنَّه قيل له عليه السَّلامُ إذا فار الماءُ من التَّنُّورِ اركبْ أنت ومن معك وكان تنُّور آدمَ عليه السَّلامُ فصار إلى نوحٍ عليه السَّلامُ فلمَّا نبع منه الماء أخبرتْهُ امرأتهُ فركبُوا. واختُلف في مكانه فقيل كان في مسجدِ الكوفةِ أي في موضعه عن يمينِ الدَّاخلِ من باب كِندة اليوم وقيل كان في عين وَردة من الشَّامِ. وقد مرَّ تفصيلُه في تفسير سُورة هودٍ عليه السَّلامُ ﴿ فاسلك فِيهَا ﴾ أي أدْخِلْ فيها يقال سَلَك فيه أي دَخَلَ فيه وسَلَكه