وقال الشيخ الشعراوى :
﴿ قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (٢٦) ﴾
بعد أنْ كذَّبه قومه دعا الله ان ينصره ﴿ بِمَا كَذَّبُونِ ﴾ [ المؤمنون : ٢٦ ] يعني : انصرني بسبب تكذيبهم، واجعل تكذيبهم لا مدلولَ له فينتصر عليهم رغم تكذيبهم، أو : يا رب عوِّضني بتكذيبهم نصراً، يعني : أبْدِلني من كذبهم نصراً، كما تقول : اشتريت كذا بكذا، فأخذت هذا بدل هذا.
ثم يقول الحق سبحانه وتعالى :﴿ فَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ أَنِ اصنع الفلك بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَآءَ أَمْرُنَا.. ﴾
استجاب الله تعالى دعاء نبيه نوح - عليه السلام - في النُّصْرة على قومه، فأمره بأن يصنع الفلك. والفُلْك هي السفينة، وتُطلق على المفرد والجمع، قال تعالى :﴿ فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الفلك المشحون ﴾ [ الشعراء : ١١٩ ] وقال :﴿ وَتَرَى الفلك فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [ فاطر : ١٢ ] فدلَّتْ مرة على المفرد، ومرة على الجمع.
وقوله تعالى :﴿ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا.. ﴾ [ المؤمنون : ٢٧ ] دليل على أن نوحاً - عليه السلام - لم يكن نجاراً كما يقول البعض، فلو كان نجاراً لهداه عقله إلى صناعتها، إنما هو صنعها بوحي من الله وتوجيهاته ورعايته، كما قال سبحانه :﴿ وَلِتُصْنَعَ على عيني ﴾ [ طه : ٣٩ ] فالمعنى : اصنع الفُلْك، وسوف أوفقك إلى صناعتها، وأهديك إلى ما يجب أن يكون، وأُصحِّح لك إنْ أخطأت في وضع شيء في غيرموضعه، إذن : أَمَرْتُ وأَعَنْتُ وتابعتُ. والوحي : هو خطاب الله لرسوله بخفاء.
ثم يقول تعالى :﴿ فَإِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التنور ﴾ [ المؤمنون : ٢٧ ].