إذا حدث هذا ﴿ فاسلك فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنين.. ﴾ [ المؤمنون : ٢٧ ] يعني : احمل وأدخل فيها زوجين ذكراً وأنثى من كل نوع من المخلوقات، كما في قوله تعالى :﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ﴾ [ المدثر : ٤٢ ] يعني : أدخلكم، وقال سبحانه :﴿ اسلك يَدَكَ فِي جَيْبِكَ.. ﴾ [ القصص : ٣٢ ] يعني : أدخلها، وقال سبحانه :﴿ كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ المجرمين ﴾ [ الحجر : ١٢ ].
ومن مادة ( سلك ) أخذنا في أعرافنا اللغوية.
نقول : سلَّك الماسورة أو العين يعني : أدخل فيها ما يزيل سدَّتها.
والتنوين في ﴿ مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنين.. ﴾ [ المؤمنون : ٢٧ ] يعني : من كل شيء نريد حِفْظ نوعه واستمراره ؛ لأن الطوفان سيُغرق كل شيء، والحق - تبارك وتعالى - يريد أن يحفظ لعباده المؤمنين مُقوِّمات حياتهم وما يخدمهم من الحيوانات والأنعام وجميع أنواع المخلوقات الأخرى من كل ما يلِدُ أو يبيض.
ومعنى ﴿ زَوْجَيْنِ ﴾ [ المؤمنون : ٢٧ ] ليس كما يظنُّ البعض أن زوج يعني : اثنين، إنما الزوج يعني فرد ومعه مثله، ومنه قوله تعالى :﴿ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مَّنَ الضأن اثنين وَمِنَ المعز اثنين قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأنثيين أَمَّا اشتملت عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأنثيين نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَمِنَ الإبل اثنين وَمِنَ البقر اثنين.. ﴾ [ الأنعام : ١٤٣ - ١٤٤ ].
فسمَّى كلَّ فرد من هذه الثمانية زوجاً ؛ لأن معه مثله.
هذا في جميع المخلوقات، أما في البشر فلم يقُلْ زوجين، إنما قال ﴿ وَأَهْلَكَ ﴾ [ المؤمنون : ٢٧ ] أياً كان نوعهم وعددهم، لكن الأهلية هنا أهلية نسب، أم أهلية إيمانية؟
الأهلية هنا يُراد بها أهلية الإيمان والاتباع، بدليل أن الله تعالى شرح هذه اللقطة في آية أخرى، فقال على لسان نوح عليه السلام :﴿ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابني مِنْ أَهْلِي.. ﴾ [ هود : ٤٥ ].