وقولهم ﴿ ما سمعنا بهذا ﴾ الظاهر أنهم كانوا مباهتين وإلاّ فنبوّة إدريس وآدم لم تكن المدة بينها وبينهم متطاولة بحيث تنسى فدافعوا الحق بما أمكنهم دفاعه، ولهذا قالوا ﴿ إن هو إلاّ رجل به جنة ﴾ ومعلوم عندهم أنه ليس بمجنون ﴿ فتربصوا به ﴾ أي انتظروا حاله حتى يجلى أمره وعاقبة خبره.
فدعا ربه تعالى بأن ينصره ويظفره بهم بسبب ما كذبوه.
وقال الزمخشري : يدل ما كذبون كما تقول : هذا بذاك أي بدل ذاك ومكانه، والمعنى أبدلني من غم تكذيبهم سلوة النصر عليهم أو انصرني بإنجاز ما وعدتهم من العذاب، وهو ما كذبوه فيه حين قال لهم ﴿ إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ﴾ انتهى.
وقرأ أبو جعفر وابن محيصن ﴿ قال رب ﴾ بضم الباء، وتقدم توجيهه في قوله ﴿ قال رب احكم ﴾ بضم الباء وتقدم الكلام على أكثر تفسير ألفاظ هذه الآية في سورة هود، ونهاه تعالى أن يخاطبه في قومه بدعاء نجاة أو غيره وبين علة النهي بأنه تعالى قد حكم عليهم بالإغراق، وأمره تعالى بأن يحمده على نجاته وهلاكهم وكان الأمر له وحده وإن كان الشرط قد شمله ومن معه لأنه نبيهم وإمامهم وهم متبعوه في ذلك إذ هو قدوتهم.
قال مع ما فيه من الإشعار بفضل النبوّة وإظهار كبرياء الربوبية وأن رتبة تلك المخاطبة لا يترقى إليها إلاّ ملك أو نبي انتهى.
ثم أمره أن يدعوه بأنه ينزله ﴿ منزلاً مباركاً ﴾ قيل وقال ذلك عند الركوب في السفينة.
وقيل : عند الخروج منها.
وقرأ الجمهور ﴿ مُنزلاً ﴾ بضم الميم وفتح الزاي فجاز أن يكون مصدراً ومكاناً أي إنزالاً أو موضع إنزال.