ثم اعلم أن الله تعالى حكى صفات أولئك القوم وحكى كلامهم، أما الصفات فثلاث هي شر الصفات : أولها : الكفر بالخالق سبحانه وهو المراد من قوله :﴿كَفَرُواْ﴾ وثانيها : الكفر بيوم القيامة وهو المراد من قوله :﴿وَكَذَّبُواْ بِلِقَاء الآخرة﴾ وثالثها : الانغماس في حب الدنيا وشهواتها وهو المراد من قوله :﴿وأترفناهم في الحياة الدنيا﴾ أي نعمناهم فإن قيل ذكر الله مقالة قوم هود في جوابه في سورة الأعراف وسورة هود بغير واو ﴿قَالَ الملا الذين كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ﴾ [ الأعراف : ٦٦ ]، قالوا ﴿مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مّثْلَنَا﴾ [ هود : ٢٧ ] وههنا مع الواو فأي فرق بينهما ؟ قلنا الذي بغير واو على تقدير سؤال سائل قال فما قال قومه ؟ فقيل له كيت وكيت، وأما الذي مع الواو فعطف لما قالوه على ما قاله ومعناه أنه اجتمع في هذه الواقعة هذا الكلام الحق وهذا الكلام الباطل.
وأما شبهات القوم فشيئان : أولهما : قولهم :﴿مَا هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ﴾، وقد مر شرح هذه الشبهة في القصة الأولى وقوله :﴿مِمَّا تَشْرَبُونَ﴾ أي من مشروبكم أو حذف منه لدلالة ما قبله عليه وهو قوله :﴿وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لخاسرون﴾ فجعلوا اتباع الرسول خسراناً، ولم يجعلوا عبادة الأصنام خسراناً، أي لئن كنتم أعطيتموه الطاعة من غير أن يكون لكم بإزائها منفعة فذلك هو الخسران وثانيهما : أنهم طعنوا في صحة الحشر والنشر، ثم طعنوا في نبوته بسبب إتيانه بذلك.


الصفحة التالية
Icon