ولما ذكر سبحانه إنشاء هذه الشجرة بهذا الجبل البعيد عن مياه البحار لعلوه وصلابته أو بما حوله من الأرض الحارة، ذكر تميزها عن عامة الأشجار بوجه آخر عجيب فقال :﴿تنبت﴾ أي بالماء الذي لا دهن فيه أصلاً، نباتاً على قراءة الجمهور، أو إنباتاً على قراءة ابن كثير وأبي عمرو وورش عن يعقوب بضم الفوقانية، ملتبساً ثمره ﴿بالدهن﴾ وهو في الأصل مائع لزج خفيف يتقطع ولا يختلط بالماء الذي هو أصله فيسرج ويدهن به، وكأنه عرّفه لأنه أجلّ الأدهان وأكملها.
ولما كان المأكول منها الدهن والزيتون قبل العصر، عطف إشعاراً بالتمكن فقال :﴿وصبغ﴾ أي وتنبت بشيء يصبغ - أي يلون - الخبز إذا غمس فيه أو أكل به ﴿للآكلين﴾ وكأنه نكره لأن في الإدام ما هو أشرف منه وألذ وإن كانت بركته مشهورة ؛ روى الإمام أحمد عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي الأنصاري ـ رضى الله عنهم ـ قال : قال رسول الله ـ ﷺ ـ :" كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة "
وللترمذي وابن ماجه عبد بن حميد في مسنده وتفسيره كما نقله ابن كثير عن ابن عمر ـ رضى الله عنهما ـ أن رسول الله ـ ﷺ ـ قال :" ائتدموا بالزيت وادهنوا به فإنه يخرج من شجرة مباركة " وقال أبو حيان : وخص هذه الأنواع الثلاثة من النخل والعنب والزيتون لأنها أكرم الشجر وأجمعها للمنافع.


الصفحة التالية
Icon