الشبهة الأولى : قولهم :﴿مَا هذا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ﴾ وهذه الشبهة تحتمل وجهين : أحدهما : أن يقال إنه لما كان مساوياً لسائر الناس في القوة والفهم والعلم والغنى والفقر والصحة والمرض امتنع كونه رسولاً لله، لأن الرسول لا بد وأن يكون عظيماً عند الله تعالى وحبيباً له، والحبيب لا بد وأن يختص عن غير الحبيب بمزيد الدرجة والمعزة، فلما فقدت هذه الأشياء علمنا انتفاء الرسالة والثاني : أن يقال هذا الإنسان مشارك لكم في جميع الأمور، ولكنه أحب الرياسة والمتبوعية فلم يجد إليهما سبيلاً إلا بادعاء النبوة، فصار ذلك شبهة لهم في القدح في نبوته، فهذا الاحتمال متأكد بقوله تعالى خبراً عنهم ﴿يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ﴾ أي يريد أن يطلب الفضل عليكم ويرأسكم كقوله تعالى :﴿وَتَكُونَ لَكُمَا الكبرياء فِى الأرض﴾ [ يونس : ٧٨ ].
الشبهة الثانية : قولهم :﴿وَلَوْ شَاء الله لاَنزَلَ ملائكة﴾ وشرحه أن الله تعالى لو شاء إرشاد البشر لوجب أن يسلك الطريق الذي يكون أشد إفضاء إلى المقصود، ومعلوم أن بعثة الملائكة أشد إفضاء إلى هذا المقصود من بعثة البشر، لأن الملائكة لعلو شأنهم وشدة سطوتهم وكثرة علومهم، فالخلق ينقادون إليهم، ولا يشكون في رسالتهم، فلما لم يفعل ذلك علمنا أنه ما أرسل رسولاً ألبتة.
الشبهة الثالثة : قولهم :﴿ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين﴾ وقوله بهذا إشارة إلى نوح عليه السلام، أو إلى ما كلمهم به من الحث على عبادة الله تعالى، أي ما سمعنا بمثل هذا الكلام، أو بمثل هذا الذي يدعى وهو بشر أنه رسول الله، وشرح هذه الشبهة أنهم كانوا أقواماً لا يعولون في شيء من مذاهبهم إلا على التقليد والرجوع إلى قول الآباء، فلما لم يجدوا في نبوة نوح عليه السلام هذه الطريقة حكموا بفسادها.


الصفحة التالية
Icon