﴿ وَكَانُواْ قَوْماً عالين ﴾ متكبرين أو متطاولين بالبغي والظلم ؛ والمراد كانوا قوماً عادتهم العلو.
﴿ فَقَالُواْ ﴾ عطف على ﴿ استكبروا ﴾ [ المؤمنون : ٤٦ ] وما بينهما اعتراض مقرر للاستكبار، والمراد فقالوا فيما بينهم بطريق المناصحة ﴿ أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا ﴾ ثنى البشر لأنه يطلق على الواحد كقوله تعالى :﴿ بَشَراً سَوِيّاً ﴾ [ مريم : ١٧ ] ويطلق على الجمع كما في قوله تعالى :﴿ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البشر أَحَداً ﴾ [ مريم : ٢٦ ] ولم يثن مثل نظراً إلى كونه في حكم المصدر، ولو أفرد البشر لصح لأنه اسم جنس يطلق على الواحد وغيره، وكذا لو ثنى المثل فإنه جاء مثنى في قوله تعالى :﴿ يَرَوْنَهُمْ مّثْلَيْهِمْ ﴾ [ آل عمران : ١٣ ] ومجموعاً في قوله سبحانه :﴿ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أمثالكم ﴾ [ محمد : ٣٨ ] نظراً إلى أنه في تأويل الوصف إلا أن المرجح لتثنية الأول وإفراد الثاني الإشارة بالأول إلى قلتهما وانفراهدما عن قومهما مع كثرة الملأ واجتماعهم وبالثاني إلى شدة تماثلهم حتى كأنهم مع البشرين شيء واحد وهوأدل على ما عنوه.
وهذه القصص كما ترى تدل على أن مدار شبه المنكرين للنبوة قياس حال الأنبياء عليهم السلام على أحوالهم بناء على جهلهم بتفاصيل شؤن الحقيقة البشرية وتباين طبقات أفرادها في مراقي الكمال ومهاوي النقصان بحيث يكون بعضها في أعلى عليين وهم المختصون بالنفوس الزكية المأيدون بالقوة القدسية المتعلقون لصفاء جواهرهم بكلا العالمين اللطيف والكثيف فيتلقون من جانب ويلقون إلى جانب ولا يعوقهم التعلق بمصالح الخلق عن التبتل إلى حضرة الحق وبعضها في أسفل سافلين وهم كأولئك الجهلة الذين هم كالأنعام بل هم أضل سبيلاً.