وقال ابن عطية :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) ﴾
لما فرغ ذكر الكفرة وتوعدهم عقب ذلك ذكر المؤمنين ووعدهم وذكرهم بأبلغ صفاتهم، و" الإشفاق " أبلغ التوقع والخوف، و﴿ من ﴾، في قوله ﴿ من خشية ﴾ هي لبيان جنس الإشفاق، والإشفاق إنما هو من عذا ب الله، و﴿ من ﴾، في قوله ﴿ من عذاب ﴾ هي لابتداء غاية و" الآيات " تعم القرآن وتعم العبر والمصنوعات التي لله وغير ذلك مما فيه نظر واعتبار وفي كل شيء له آية، ثم ذكرهم تعالى من الطرف الآخر وهو نفي الإشراك لأن لكفار قريش أن يقولوا ونحن نؤمن بآيات ربنا ويريدون نصدق بأنه المخترع الخالق فذكر تعالى نفي الإشراك الذي لا حظ لهم فيه بسبب أصنامهم، وقوله ﴿ والذين يؤتون ما آتوا ﴾ على قراءة الجمهور، يعطون ما أعطوا وقال الطبري : يريد الزكاة المفروضة وسائر الصدقة، وروي نحوه عن ابن عمر ومجاهد ع وإنما ضمهم إلى هذا التخصيص أن العطاء مستعمل في المال على الأغلب، قال ابن عباس وابن جبير : هو عام في جميع أعمال البر، وهذا أحسن كأنه قال : والذين يعطون من أنفسهم في طاعة الله ما بلغه جهدهم، وقرأت عائشة أم المؤمنين وابن عباس وقتادة والأعمش " يأتون ما أتوا " ومعناه يفعلون ما فعلوا ورويت هذه القراءة عن النبي ﷺ وذهبت فرقة إلى أن معناه من المعاصي، وذهبت فرقة إلى أن ذلك في جميع الأعمال طاعتها ومعصيتها وهذا أمدح، وأسند الطبري عن عائشة أنها قالت يا رسول الله قوله تعالى ﴿ يؤتون ما آتوا ﴾ هي في الذي يزني ويسرق قال " لا يا بنت أبي بكر بل هي في الرجل يصوم ويتصدق وقلبه وجل يخاف أن لا يتقبل منه ".