وقال أبو السعود :
﴿ إِنَّ الذين هُم مّنْ خَشْيةِ رَبّهِمْ مُّشْفِقُونَ ﴾ استئنافٌ مسوقٌ لبيانِ مَن له المسارعةُ في الخيرات إثرَ إقناطِ الكُفَّار عنها وإبطالِ حسبانهم الكاذبِ أي من خوفِ عذابهِ حذرون.
﴿ والذين هُم بئايات رَبَّهِمْ ﴾ المنصوبة والمنزلةِ ﴿ يُؤْمِنُونَ ﴾ بتصديقِ مدلولِها ﴿ والذين هُم بِرَبّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ ﴾ شِرْكاً جليًّا ولا خفيًّا، ولذلك أُخِّر عن الإيمانِ بالآياتِ، والتَّعرضُ لعُنوانِ الرُّبوبيَّةِ في المواقع الثَّلاثةِ للإشعارِ بعلِّيتها للإشفاقِ والإيمانِ وعدمِ الإشراكِ.
﴿ والذين يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ ﴾ أي يُعطون ما أعطوه من الصَّدقاتِ. وقُرىء يأتون ما أتوا أي يفعلون ما فعلُوه من الطَّاعاتِ وأيّاً ما كان فصيغةُ الماضي في الصِّلة الثَّانيةِ للدِّلالة على التَّحقُّق كما أنَّ صيغة المضارعِ في الأُولى للدِّلالة عن الاستمرار ﴿ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾ حالٌ من فاعلِ يُؤتون أو يأتون أي يُؤتون ما آتوه أو يفعلون من العباداتِ ما فعلُوه والحالُ أنَّ قلوبهم خائفةٌ أشدَّ الخوفِ ﴿ أَنَّهُمْ إلى رَبّهِمْ راجعون ﴾ أي من أنَّ رجوعهم إليهِ عزَّ وجلَّ على أنَّ مناطَ الوَجَلِ ألاَّ يُقبلَ منهم ذلك وألاَّ يقعَ على الوجهِ اللاَّئقِ فيُؤاخذُوا به حينئذٍ لا مجرَّدُ رجوعهم إليه تعالى وقيل لأنَّ مرجعَهم إليه تعالى. والموصولاتُ الأربعةُ عبارةٌ عن طائفةٍ واحدةٍ متَّصفةٍ بما ذُكر في حيِّزِ صِلاتِها من الأوصافِ الأربعةِ لا عن طوائفَ كلُّ واحدةٍ منها متَّصفةٌ بواحدٍ من الأوصافِ المذكورةِ، كأنَّه قيلَ ﴿ إِنَّ الذين هُم مّنْ خَشْيةِ رَبّهِمْ مُّشْفِقُونَ والذين هُم بئايات يُؤْمِنُونَ ﴾ الخ وإنَّما كُرِّر الموصولُ إيذاناً باستقلالِ كلِّ واحدةٍ من تلكَ الصِّفاتِ بفضيلةٍ باهرةٍ على حيالِها، وتنزيلاً لاستقلالها منزلة استقلالِ الموصوفِ بها.


الصفحة التالية
Icon