وقوله ﴿ يأكل مما تأكلون منه ﴾ تحقيق للبشرية وحكم بالتساوي بينه وبينهم، وأن لا مزية له عليهم، والظاهر أن ما موصولة في قوله ﴿ مما تشربون ﴾ وأن العائد محذوف تقديره ﴿ مما تشربون ﴾ منه لوجود شرائط الحذف، وهو اتحاد المتعلق والمتعلق كقوله : مررت بالذي مررت، وحسن هذا الحذف ورجحه كون ﴿ تشربون ﴾ فاصلة ولدلالة منه عليه في قوله ﴿ مما تأكلون منه ﴾ وفي التحرير وزعم الفراء أن معنى قوله ﴿ ويشرب مما تشربون ﴾ على حذف أي ﴿ مما تشربون ﴾ منه، وهذا لا يجوز عند البصريين ولا يحتاج إلى حذف ألبتة لأن ما إذا كانت مصدراً لم تحتج إلى عائد، فإن جعلتها بمعنى الذي حذفت المفعول ولم تحتج إلى إضمار من انتهى.
يعني أنه يصير التقدير مما تشربونه، فيكون المحذوف ضميراً متصلاً وشروط جواز الحذف فيه موجودة، وهذا تخريج على قاعدة البصريين إلاّ أنه يفوت فصاحة معادلة التركيب ألا ترى أنه قال ﴿ مما تأكلون منه ﴾ فعداه بمن التبعيضية، فالمعادلة تقتضي أن يكون التقدير ﴿ مما تشربون ﴾ منه، فلو كان التركيب مما تأكلونه لكان تقدير تشربونه هو الراجح.
وقال الزمخشري : حذف الضمير والمعنى من مشروبكم أو حذف منه لدلالة ما قبله عليه انتهى.
فقوله حذف الضمير معناه مما تشربونه وفسره بقوله مشروبكم لأن الذي تشربونه هو مشروبكم.
وقال الزمخشري ﴿ إذاً ﴾ واقع في جزاء الشرط وجواب للذين قاولوهم من قومهم، أي تخسرون عقولكم وتغبنون في آبائكم انتهى.
وليس ﴿ إذاً ﴾ واقعاً في جزاء الشرط بل واقعاً بين ﴿ إنكم ﴾ والخبر و﴿ إنكم ﴾ والخبر ليس جزاء للشرط بل ذلك جملة جواب القسم المحذوف قبل إن الموطئة، ولو كانت ﴿ إنكم ﴾ والخبر جواباً للشرط للزمت الفاء في ﴿ إنكم ﴾ بل لو كان بالفاء في تركيب غير القرآن لم يكن ذلك التركيب جائزاً إلاّ عند الفراء، والبصريون لا يجيزونه وهو عندهم خطأ.