وهذا مثال ونموذج في حضارة بلغت أوج عظمتها :﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ العماد * التي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي البلاد * وَثَمُودَ الذين جَابُواْ الصخر بالواد * وَفِرْعَوْنَ ذِى الأوتاد ﴾ [ الفجر : ٦ - ١٠ ].
وإلى الآن، ونحن نرى آثار الحضارة الفرعونية، وكيف أنها تجذب انتباه أصحاب الحضارات الحديثة وتنال إعجابهم، فيأتون إليها من كل أنحاء العالم، مع أن حضارة عاد كانت أعظم منها ؛ لأن الله تعالى قال في حقها :﴿ التي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي البلاد ﴾ [ الفجر : ٨ ].
ومع ذلك لا نرى لهم أثراً يدل على عِظَم حضارتهم، ولم يكُنْ لهذه الحضارة مناعة لتحمي نفسها، أو تحتفظ لها بشيء، فانهارت وبادتْ ولم يَبْقَ منها حتى أثر.
كذلك أتباع الرسل يمرُّون بمثل هذه الدورة، فبعد قوة الإيمان تصيبهم الغفلة ويتسرب إليهم الضعف وسوء الحال، إلى أن يرسل الحق سبحانه رسولاً جديداً.
﴿ مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ ﴾ [ المؤمنون : ٤٣ ].
المعنى في الجملة الأولى واضح، فأيُّ أمة لا يمكن أنْ تسبق أجلها الذي حدَّده الله لها، ولا يمكنْ أن تنتهي أو تقوَّص قبل أنْ يحلَّ هذا الأجل.
لكن ما المراد بقوله سبحانه :﴿ وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ ﴾ [ المؤمنون : ٤٣ ] كيف يتأتَّى ذلك؟ فهمنا : لا تسبق أجلها يعني أجلها أن تقوض بعد عشرين سنة، فلا يمكن أن تُقوَّض قبل خمس عشرة، أما كونها تستأخر بعد أن بلغتْ العشرين إلى عشرة، فكيف يتم ذلك؟
نقول : لا تستأخر يعني : من حيث الحكم هي لا تسبق الأجل وهي محكوم عليها بأنها لا تستأخر ؛ لأن الاستئخار بعد بلوغ الأجل مستحيل، كما لو قلنا : شخص بلغ سِنَّ العشرين لا يقدر أن يموت في العاشرة. فالمعنى : الأصل فيه أنه لا يستأخر.


الصفحة التالية
Icon