ثم إنه سبحانه بعد أن عد هذه الوجوه، ونبه على فسادها قال :﴿بَلْ جَاءهُمْ بالحق وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقّ كارهون﴾ من حيث تمسكوا بالتقليد ومن حيث علموا أنهم لو أقروا بمحمد ﷺ لزالت مناصبهم ولاختلت رياساتهم فلذلك كرهوه فإن قيل قوله :﴿وَأَكْثَرُهُمُ﴾ فيه دليل على أن أقلهم لا يكرهون الحق، قلنا كان فيهم من يترك الإيمان أنفة من توبيخ قومه وأن يقولوا ترك دين آبائه لا كراهة للحق كما حكي عن أبي طالب ثم بين سبحانه أن الحق لا يتبع الهوى، بل الواجب على المكلف أن يطرح الهوى ويتبع الحق فبين سبحانه أن اتباع الهوى يؤدي إلى الفساد العظيم فقال :﴿وَلَوِ اتبع الحق أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السموات والأرض وَمَن فِيهِنَّ﴾ وفي تفسيره وجوه : الأول : أن القوم كانوا يرون أن الحق في اتخاذ آلهة مع الله تعالى، لكن لو صح ذلك لوقع الفساد في السموات والأرض على ما قررناه في دليل التمانع في قوله :﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا﴾ [ الأنبياء : ٢٢ ] والثاني : أن أهواءهم في عبادة الأوثان وتكذيب محمد ﷺ وهما منشأ المفسدة، والحق هو الإسلام.
فلو اتبع الإسلام قولهم لعلم الله حصول المفاسد عند بقاء هذا العالم، وذلك يقتضي تخريب العالم وإفناءه والثالث : أن آراءهم كانت متناقضة فلو اتبع الحق أهواءهم لوقع التناقض ولاختل نظام العالم عن القفال.
أما قوله :﴿بَلْ أتيناهم بِذِكْرِهِمْ﴾ فقيل إنه القرآن والأدلة وقيل بل شرفهم وفخرهم بالرسول وكلا القولين متقارب لأن في مجيء الرسول بيان الأدلة وفي مجيء الأدلة بيان الرسول فأحدهما مقرون بالآخر، وقيل الذكر هو الوعظ والتحذير، وقيل هو الذي كانوا يتمنونه ويقولون :﴿لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مّنَ الأولين * لَكُنَّا عِبَادَ الله المخلصين﴾ [ الصافات : ١٦٨، ١٦٩ ] وقرىء بذكراهم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٣ صـ ٩٧ ـ ٩٨﴾