وقال أبو السعود :
﴿ أَمْ تَسْئَلُهُمْ ﴾ انتقالٌ من توبيخهم بما ذُكر من قوله :﴿ أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ ﴾ إلى التَّوبيخِ بوجهٍ آخَر كأنَّه قيل أمْ يزعمُون أنَّك تسألهم عن أداء الرِّسالةِ ﴿ خَرْجاً ﴾ أي جُعْلاً فلأجل ذلك لا يُؤمنون بك وقوله تعالى :﴿ فَخَرَاجُ رَبّكَ خَيْرٌ ﴾ أي رزقُه في الدُّنيا وثوابُه في الآخرةِ، تعليلٌ لنفيِ السُّؤالِ المستفادِ من الإنكارِ أي لا تسألهم ذلك فإنَّ ما رزقك اللَّهُ تعالى في الدُّنيا والعُقْبى خيرٌ لك من ذلكَ وفي التَّعرضُ لعُنوانِ الرُّبوبيَّةِ مع الإضافةِ إلى ضميرهِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ من تعليلِ الحكمِ وتشريفه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ما لا يخفى. والخَرْجُ بإزاءِ الدَّخْلِ يقال لكلِّ ما تخرجه إلى غيرِك. والخَرَاجُ غالبٌ في الضَّريبةِ على الأرضِ وقيل الخَرْجُ ما تبرَّعت به والخراجُ ما لزمَك وقيل الخَرْجُ أخصُّ من الخَراجِ ففي النَّظمِ الكريمِ إشعارٌ بالكثرةِ واللزومِ. وقُرىء خرجاً فخَرْجُ وخراجاً فخراج ﴿ وَهُوَ خَيْرُ الرزقين ﴾ تقريرٌ لخيريَّةِ خراجهِ تعالى :﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ ﴾ تشهدُ العقول السَّليمةُ باستقامته ليس فيهِ شائبةُ اعوجاجٍ تُوهم اتَّهامَهم لك بوجهٍ من الوجوهِ ولقد ألزمَهم اللَّهُ عزَّ وعلا وأزاحَ عللهم في هذه الآياتِ حيث حصرَ أقسامَ ما يُؤدِّي إلى الإنكارِ والاتِّهامِ وبيَّن انتفاءَ ما عدا كراهتهم للحقِّ وقِلَّة فطنتهم.


الصفحة التالية
Icon