قال العلماء : أما الكراهية للنوم قبلها فلئلا يعرّضها للفوات عن كل وقتها أو أفضل وقتها ؛ ولهذا قال عمر : فمن نام فلا نامت عينه ؛ ثلاثاً.
وممن كره النوم قبلها عمر وابنه عبد الله وابن عباس وغيرهم، وهو مذهب مالك.
ورخص فيه بعضهم، منهم عليّ وأبو موسى وغيرهم ؛ وهو مذهب الكوفيين.
وشرط بعضهم أن يجعل معه من يوقظه للصلاة.
وروي عن ابن عمر مثله، وإليه ذهب الطحاوي.
وأما كراهية الحديث بعدها فلأن الصلاة قد كفرت خطاياه فينام على سلامة، وقد ختم الكُتّاب صحيفته بالعبادة ؛ فإنْ هو سَمَر وتحدّث فيملؤها بالهَوَس ويجعل خاتمتها اللغو والباطل، وليس هذا من فعل المؤمنين.
وأيضاً فإن السمر في الحديث مظنة غلبة النوم آخر الليل فينام عن قيام آخر الليل، وربما ينام عن صلاة الصبح.
وقد قيل : إنما يكره السمر بعدها لما روى جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله ﷺ :" إياكم والسَّمَرَ بعد هَدْأة الرجل فإن أحدكم لا يدري ما يبث الله تعالى من خلقه أغلِقوا الأبواب وأَوْكُوا السقاء وخَمّروا الإناء وأطفِئوا المصابيح " وروي عن عمر أنه كان يضرب الناس على الحديث بعد العشاء، ويقول : أَسُمراً أوّلَ الليل ونوماً آخره! أريحوا كُتّابكم.
حتى أنه روي عن ابن عمر أنه قال :
من قرض بيت شعر بعد العشاء لم تقبل له صلاة حتى يُصبح.
وأسنده شدّاد بن أوْس إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وقد قيل : إن الحكمة في كراهية الحديث بعدها إنما هو لما أن الله تعالى جعل الليل سَكَنا، أي يُسكن فيه، فإذا تحدّث الإنسان فيه فقد جعله في النهار الذي هو متصرف المعاش ؛ فكأنه قصد إلى مخالفة حكمة الله تعالى التي أجرى عليها وجوده فقال :
﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الليل لِبَاساً والنوم سُبَاتاً وَجَعَلَ النهار نُشُوراً ﴾ [ الفرقان : ٤٧ ].