فصل
قال الفخر :
﴿ وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ ﴾
اعلم أنه سبحانه لما ذكر كيفية أعمال المؤمنين المخلصين ذكر حكمين من أحكام أعمال العباد فالأول : قوله :﴿وَلاَ نُكَلّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ وفي الوسع قولان : أحدهما : أنه الطاقة عن المفضل والثاني : أنه دون الطاقة وهو قول المعتزلة ومقاتل والضحاك والكلبي واحتجوا عليه بأن الوسع إنما سمي وسعاً لأنه يتسع عليه فعله ولا يصعب ولا يضيق، فبين أن أولئك المخلصين لم يكلفوا أكثر مما عملوا.
قال مقاتل من لم يستطع أن يصلي قائماً فليصل جالساً ومن لم يستطع جالساً فليوم إيماء لأنا لا نكلف نفساً إلا وسعها، واستدلت المعتزلة به في نفي تكليف ما لا يطاق وقد تقدم القول فيه الثاني : قوله :﴿وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بالحق وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ ونظيره قوله ﴿هذا كتابنا يَنطِقُ عَلَيْكُم بالحق﴾ [ الجاثية : ٢٩ ] وقوله :﴿لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا﴾ [ الكهف : ٤٩ ].
واعلم أنه تعالى شبه الكتاب بمن يصدر عنه البيان فإن الكتاب لا ينطق لكنه يعرب بما فيه كما يعرب وينطق الناطق إذا كان محقاً، فإن قيل هؤلاء الذين يعرض عليهم ذلك الكتاب إما أن يكونوا محيلين الكذب على الله تعالى أو مجوزين ذلك عليه، فإن أحالوه عليه فإنهم يصدقونه في كل ما يقول سواء وجد الكتاب أو لم يوجد، وإن جوزوه عليه لم يثقوا بذلك الكتاب لتجويزهم أنه / سبحانه كتب فيه خلاف ما حصل.
فعلى التقديرين لا فائدة في ذلك الكتاب ؟ قلنا يفعل الله ما يشاء وعلى أنه لا يبعد أن يكون ذلك مصلحة للمكلفين من الملائكة.