اختلفوا في وقت مسألة الرجعة فالأكثرون على أنه يسأل في حال المعاينة لأنه عندها يضطر إلى معرفة الله تعالى وإلى أنه كان عاصياً ويصير ملجأ إلى أنه لا يفعل القبيح بأن يعلمه الله تعالى أنه لو رامه لمنع منه، ومن هذا حاله يصير كالممنوع من القبائح بهذا الإلجاء فعند ذلك يسأل الرجعة، ويقول :﴿رَبِّ ارجعون * لَعَلّي أَعْمَلُ صالحا فِيمَا تَرَكْتُ﴾ وقال آخرون بل يقول ذلك عند معاينة النار في الآخرة، ولعل هذا القائل إنما ترك ظاهر هذه الآية لما أخبر الله تعالى في كتابه عن أهل النار في الآخرة أنهم يسألون الرجعة لكن ذلك مما لا يمنع أن يكونوا سائلين الرجعة في حال المعاينة، والله تعالى يقول :﴿حتى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الموت قَالَ رَبِّ ارجعون﴾ فعلق قولهم هذا بحال حضور الموت وهو حال المعاينة فلا وجه لترك هذا الظاهر.
المسألة الرابعة :
اختلفوا في قوله سبحانه وتعالى :﴿ارجعون﴾ من المراد به ؟ فقال بعضهم : الملائكة الذين يقبضون الأرواح وهم جماعة فلذلك ذكره بلفظ الجمع، وقال آخرون بل المراد هو الله تعالى لأن قوله رب بمنزلة أن يقول يا رب وإنما ذكر بلفظ الجمع للتعظيم كما يخاطب العظيم بلفظه فيقول فعلنا وصنعنا وقال الشاعر :
فإن شئت حرمت النساء سواكم.. ومن يقول بالأول يجعل ذكر الرب للقسم، فكأنه عند المعاينة قال بحق الرب ارجعون، وههنا سؤالات :
السؤال الأول : كيف يسألون الرجعة وقد علموا صحة الدين بالضرورة، ومن الدين أن لا رجعة ؟ الجواب : أنه وإن كان كذلك فلا يمتنع أن يسألوه لأن الاستعانة بهذا الجنس من المسألة تحسن وإن علم أنه لا يقع فأما إرادته للرجعة فلا يمتنع أيضاً على سبيل ما يفعله المتمني.


الصفحة التالية
Icon