فصل
قال الفخر :
﴿ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ ﴾
اعلم أنه سبحانه ادعى أمرين أحدهما : قوله :﴿مَا اتخذ الله مِن وَلَدٍ﴾ وهو كالتنبيه على أن ذلك من قول هؤلاء الكفار، فإن جمعاً منهم كانوا يقولون الملائكة بنات الله والثاني : قوله :﴿وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ﴾ وهو قولهم باتخاذ الأصنام آلهة، ويحتمل أن يريد به إبطال قول النصارى والثنوية، ثم إنه سبحانه وتعالى ذكر الدليل المعتمد بقوله :﴿إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إله بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ﴾ والمعنى لانفرد على ( ذلك ) كل واحد من الآلهة بخلقه الذي خلقه واستبد به، ولرأيتم ملك كل واحد منهم متميزاً عن ملك الآخر، ولغلب بعضهم على بعض كما ترون حال ملوك الدنيا ممالكهم متميزة وهم متغالبون، وحيث لم تروا أثر التمايز في الممالك والتغالب، فاعلموا أنه إله واحد بيده ملكوت كل شيء.
فإن قيل :﴿إِذاً﴾ لا يدخل إلا على كلام هو جزاء وجواب، فكيف وقع قوله لذهب جزاء وجواباً ؟ ولم يتقدمه شرط ولا سؤال سائل، قلنا الشرط محذوف وتقديره ولو كان معه آلهة، وإنما حذف لدلالة قوله :﴿وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ﴾ عليه، ثم إنه سبحانه نزه نفسه عن قولهم بقوله :﴿سبحان الله عَمَّا يَصِفُونَ﴾ من إثبات الولد والشريك.
أما قوله :﴿عالم الغيب والشهادة﴾ فقرىء بالجر صفة لله، وبالرفع خبر مبتدأ محذوف، والمعنى أنه سبحانه هو المختص بعلم الغيب والشهادة، فغيره وإن علم الشهادة فلن يعلم معها الغيب، والشهادة التي يعلمها لا يتكامل بها النفع إلا مع العلم بالغيب وذلك كالوعيد لهم، فلذلك قال :﴿فتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ ثم أمره سبحانه بالانقطاع إليه وأن يدعوه بقوله :﴿رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنّي مَا يُوعَدُونَ * رَبِّ فَلاَ تَجْعَلْنِي فِي القوم الظالمين﴾. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٣ صـ ١٠٢﴾