فصل
قال الفخر :
﴿ قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٤) ﴾
اعلم أنه يمكن أن يكون المقصود من هذه الآيات الرد على منكري الإعادة وأن يكون المقصود الرد على عبدة الأوثان، وذلك لأن القوم كانوا مقرين بالله تعالى فقالوا نعبد الأصنام لتقربنا إلى الله زلفى، ثم إنه سبحانه احتج عليهم بأمور ثلاثة : أحدها : قوله :﴿قُل لِّمَنِ الأرض وَمَن فِيهَا﴾ ووجه الاستدلال به على الإعادة أنه تعالى لما كان خلقاً للأرض ولمن فيها من الأحياء، وخالقاً لحياتهم وقدرتهم وغيرها، فوجب أن يكون قادراً على أن يعيدهم بعد أن أفناهم.
ووجه الاستدلال به على نفي عبادة الأوثان، من حيث إن عبادة من خلقكم وخلق الأرض وكل ما فيها من النعم هي الواجبة دون عبادة ما لا يضر ولا ينفع، وقوله :﴿أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ معناه الترغيب في التدبر ليعلموا بطلان ما هم عليه وثانيها : قوله :﴿مَن رَّبُّ السموات السبع وَرَبُّ العرش العظيم﴾ ووجه الاستدلال على الأمرين كما تقدم، وإنما قال :﴿أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾ تنبيهاً على أن اتقاء عذاب الله لا يحصل إلا بترك عبادة الأوثان والاعتراف بجواز الإعادة وثالثها : قوله تعالى :﴿قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلّ شَيْءٍ ﴾.
اعلم أنه سبحانه لما ذكر الأرض أولاً والسماء ثانياً عمم الحكم ههنا، فقال من بيده ملكوت كل شيء، ويدخل في الملكوت الملك والملك على سبيل المبالغة، وقوله :﴿وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ﴾ يقال أجرت فلاناً على فلان إذا أغثته منه ومنعته.
يعني وهو يغيث من يشاء ممن يشاء، ولا يغيث أحد منه أحداً.
أما قوله تعالى :﴿فأنى تُسْحَرُونَ﴾ فالمعنى أنى تخدعون عن توحيده وطاعته، والخادع هو الشيطان والهوى.