فصل


قال الفخر :
ثم بين تعالى ما هو في التوبيخ أعظم بقوله :﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خلقناكم عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ﴾ وفيه مسألتان :
المسألة الأولى :
قال صاحب "الكشاف" ﴿عَبَثاً﴾ حال أي عابثين كقوله :﴿لاَعِبِينَ﴾ أو مفعول به أي ما خلقناكم للعبث.
المسألة الثانية :
أنه سبحانه لما شرح صفات القيامة ختم الكلام فيها بإقامة الدلالة على وجودها وهي أنه لولا القيامة لما تميز المطيع من العاصي والصديق من الزنديق، وحينئذ يكون خلق هذا العالم عبثاً، وأما الرجوع إلى الله تعالى فالمراد إلى حيث لا مالك ولا حاكم سواه لا أنه رجوع من مكان إلى مكان لاستحالة ذلك على الله تعالى ثم إنه تعالى نزه نفسه عن العبث بقوله :﴿فتعالى الله الملك الحق﴾ والملك هو المالك للأشياء الذي لا يبيد ولا يزول ملكه وقدرته، وأما الحق فهو الذي يحق له الملك لأن كل شيء منه وإليه، وهو الثابت الذي لا يزول ولا يزول ملكه، وبين أنه لا إله سواه وأن ما عداه فمصيره إلى الفناء وما يفنى لا يكون إلهاً وبين أنه تعالى :﴿رَبُّ العرش الكريم ﴾.
قال أبو مسلم والعرش ههنا السموات بما فيها من العرش الذي تطوف به الملائكة ويجوز أن يعني به الملك العظيم، وقال الأكثرون : المراد هو العرش حقيقة وإنما وصفه بالكريم لأن الرحمة تنزل منه والخير والبركة ولنسبته إلى أكرم الأكرمين كما يقال بيت كريم إذا كان ساكنوه كراماً، وقرىء الكريم بالرفع ونحوه ذو العرش المجيد.
﴿ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾


الصفحة التالية
Icon