وقال ابن عطية :
وأخبر عنهم تعالى أنهم إذا سمعوا هذا التقرير أذعنوا وأقروا على أنفسهم وسلموا بقولهم ﴿ غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين ﴾ وقرأ الجمهور " شِقوتنا " بكسر الشين دون ألف بعد القاف وهي قراءة الحرميين، وقرأ الحمزة والكسائي " شَقاوتنا " بفتح الشين وألف بعد القاف وهي قراءة ابن مسعود، وخير عاصم في الوجهين وهما مصدران من شقي يشقى، ثم تدرجوا من الإقرار إلى الرغبة والتضرع وذلك أنهم ذلوا لأن الإقرار بالذنب اعتذار وتنصل، فوقع جواب رغبتهم بحسب ما حتمه الله من عذابهم بقوله تعالى :﴿ اخسؤوا فيها ولا تكلمون ﴾ وجاء ﴿ ولا تكلمون ﴾ بلفظ نهي وهم لا يستطيعون الكلام على ما روي فهذا مبالغة في المنع، ويقال إن هذه الكلمة إذا سمعوها يئسوا، وحكى الطبري حديثاً طويلاً في مقاولة تكون بين الكفار وبين مالك خازن النار، ثم بينهم وبين ربهم وآخرها هذه الكلمة ﴿ اخسؤوا فيها ﴾ قال فتنطبق عليهم جهنم ويقع اليأس ويبقون ينبح بعضهم في وجه بعض.
قال الفقيه الإمام القاضي : واختصرت هذا الحديث لعدم صحته لكن معناه صحيح عافانا الله من ناره بمنه، وقوله ﴿ اخسؤوا ﴾ زجر يستعمل في زجر الكلاب، ومنه قول النبي ﷺ لابن صياد اخسأ فلن تعدو قدرك.
﴿ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١٠٩) ﴾