وحكى الثّعلبِيّ عن الكسائيّ والفرّاء الفرقَ الذي ذكره أبو عمرو، وأن الكسر بمعنى الاستهزاء والسخرية بالقول، والضَّمّ بمعنى التسخير والاستعباد بالفعل.
وقال المبرد : إنما يؤخذ التفريق بين المعاني عن العرب، وأما التأويل فلا يكون.
والكسر في سخريّ في المعنيين جميعاً ؛ لأن الضمة تستثقل في مثل هذا.
﴿ حتى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي ﴾ أي حتى اشتغلتم بالاستهزاء بهم عن ذكري.
﴿ وَكُنْتُمْ مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ ﴾ استهزاء بهم، وأضاف الإنْساء إلى المؤمنين لأنهم كانوا سبباً لاشتغالهم عن ذكره ؛ وتعدّى شؤم استهزائهم بالمؤمنين إلى استيلاء الكفر على قلوبهم.
﴿ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ اليوم بِمَا صبروا ﴾ على أذاكم، وصبروا على طاعتي.
﴿ أَنَّهُمْ هُمُ الفآئزون ﴾ قرأ حمزة والكسائيّ بكسر الهمزة على ابتداء المدح من الله تعالى لهم، وفتح الباقون ؛ أي لأنهم هم الفائزون.
ويجوز نصبه بوقوع الجزاء عليه، تقديره : إني جزيتهم اليوم الفوز بالجنة.
قلت : وينظر إلى معنى هذا قوله تعالى في آخر المُطَفِّفِين :﴿ فاليوم الذين آمَنُواْ مِنَ الكفار يَضْحَكُونَ ﴾ [ المطففين : ٣٤ ] إلى آخر السورة، على ما يأتي بيانه هناك إن شاء الله تعالى.
ويستفاد من هذا : التحذيرُ من السّخريّة والاستهزاء بالضعفاء والمساكين والاحتقار لهم، والإزراء عليهم والاشتغال بهم فيما لا يعني، وأن ذلك مُبْعِد من الله عز وجل. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ١٢ صـ ﴾