وطعن بعض الملحدة فقال قوله :﴿وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ﴾ وقوله :﴿وَلاَ يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً﴾ [ المعارج : ١٠ ] يناقض قوله :﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾ [ الصافات : ٢٧ ] وقوله :﴿يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ﴾ [ يونس : ٤٥ ] الجواب : عنه من وجوه : أحدها : أن يوم القيامة مقداره خمسون ألف سنة ففيه أزمنة وأحوال مختلفة فيتعارفون ويتساءلون في بعضها، ويتحيرون في بعضها لشدة الفزع وثانيها : أنه إذا نفخ في الصور نفخة واحدة شغلوا بأنفسهم عن التساؤل، فإذا نفخ فيه أخرى أقبل بعضهم على بعض وقالوا :﴿ياويلنا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرحمن﴾ [ يس : ٥٢ ] وثالثها : المراد لا يتساءلون بحقوق النسب ورابعها : أن قوله :﴿لاَ يَتَسَاءَلُونَ﴾ صفة للكفار وذلك لشدة خوفهم.
أما قوله :﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾ فهو صفة أهل الجنة إذا دخلوها، واعلم أنه سبحانه قد بين أن بعد النفخ في الصور تكون المحاسبة، وشرح أحوال السعداء والأشقياء، وقيل لما بين سبحانه أنه ليس في الآخرة إلا ثقل الموازين وخفتها، وجب أن يكون كل مكلف لا بد وأن يكون من أهل الجنة وأهل الفلاح أو من أهل النار فيبطل بذلك القول بأن فيهم من لا يستحق الثواب والعقاب أو من يتساوى له الثواب والعقاب، ثم إنه سبحانه شرح حال السعداء بقوله :﴿فَمَن ثَقُلَتْ موازينه فأولئك هُمُ المفلحون﴾ وفي الموازين أقوال : أحدها : أنه استعارة من العدل وثانيها : أن الموازين هي الأعمال الحسنة فمن أتى بما له قدر وخطر فهو الفائز الظافر، ومن أتى بما لا وزن له كقوله تعالى :﴿والذين كَفَرُواْ أعمالهم كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظمآن مَاءً حتى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً﴾ [ النور : ٣٩ ] فهو خالد في جهنم.


الصفحة التالية
Icon