واعلم يا محمد "إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ" للذهاب لشأن ألمّ بهم ولم يستبدوا فيتركوك ويذهبوا من تلقاء أنفسهم "أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ" أما الّذين ينصرفون لحالهم دون أخذ رأيك ويتركونك في مداولات هكذا تستلزم أخذ رأي الجماعة فلم يكن إيمانهم صحيحا ولا مقبولا "فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ" يا سيد الرّسل "لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ" ممن يستغنى عن حضوره ورأيه.
أما الّذين ترى لزوما لأخذ رأيه فلك ألا تأذن له، لأن ما أنت فيه أهم مما يذهب إليه "وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ" إن رأيت لهم عذرا مقبولا في الاستئذان على جرأتهم لطلب الأذن في وقت عليهم ألا يطلبوه إذ ينبغي لهم بل يجب عليهم ألا يتخلوا عنك في مثل هذه الحالات، لأن الأهم يقدم المهم "إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ" لخطأهم ذلك الواقع قبل نزول هذه الآية "رَحِيمٌ ٦٢" بهم ولذلك يرشدهم لطرق التوبة عما سلف منهم، ولا يعجل عقوبتهم.
وهذه الآية تنبه على أن الأجدر بهم البقاء مع حضرة الرّسول وعدم الاستئذان ولو كان لهم عذر، لأن فوات وقت الاجتماع به صلّى اللّه عليه وسلم لا يتلافى وأشغالهم يمكن تلافيها، بل الاستغناء عنها، وإن ترك ملازمة الرّسول وقت اللّزوم مخالف للآداب الواجب اتباعها معه اللازم مراعاتها أمامه.