أما قراءة التخفيف فالفرض هو القطع والتقدير قال الله تعالى :﴿فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾ [ البقرة : ٢٣٧ ] أي قدرتم ﴿إِنَّ الذى فَرَضَ عَلَيْكَ القرءان﴾ [ القصص : ٨٥ ] أي قدر، ثم إن السورة لا يمكن فرضها لأنها قد دخلت في الوجود وتحصيل الحاصل محال، فوجب أن يكون المراد وفرضنا ما بين فيها، وإنما قال ذلك لأن أكثر ما في هذه السورة من باب الأحكام والحدود فلذلك عقبها بهذا الكلام، وأما قراءة التشديد فقال الفراء : التشديد للمبالغة والتكثير، أما المبالغة فمن حيث إنها حدود وأحكام فلا بد من المبالغة في إيجابها ليحصل الانقياد لقبولها، وأما التكثير فلوجهين : أحدهما : أن الله تعالى بين فيها أحكاماً مختلفة والثاني : أنه سبحانه وتعالى أوجبها على كل المكلفين إلى آخر الدهر، أما قوله :﴿وأنزلنا فيها آيات بينات﴾ ففيه وجوه : أحدها : أنه سبحانه ذكر في أول السورة أنواعاً من الأحكام والحدود وفي آخرها دلائل التوحيد فقوله :﴿وفرضناها﴾ إشارة إلى الأحكام التي بينها أولاً ثم قوله :﴿وأنزلنا فيها آيات بينات﴾ إشارة إلى ما بين من دلائل التوحيد، والذي يؤكد هذا التأويل قوله :﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ فإن الأحكام والشرائع ما كانت معلومة لهم ليؤمروا بتذكيرها.
أما دلائل التوحيد فقد كانت كالمعلومة لهم لظهورها فأمروا بتذكيرها.
وثانيها : قال أبو مسلم يجوز أن تكون الآيات البينات ما ذكر فيها من الحدود والشرائع كقوله :
﴿رَبّ اجعل لِّي ءايَةً قَالَ ءَايَتُكَ أَلاّ تُكَلّمَ الناس ثلاث لَيَالٍ سَوِيّاً﴾ [ مريم : ١٠ ] سأل ربه أن يفرض عليه عملاً وثالثها : قال القاضي إن السورة كما اشتملت على عمل الواجبات فقد اشتملت على كثير من المباحثات بأن بينها الله تعالى، ولما كان بيانه سبحانه لها مفصلاً وصف الآيات بأنها بينات.