أما قوله ثانياً : لو كان النفي مشروعاً لما كان الجلد كل الحد، فنقول لا نزاع في أنه زال أمره لأن إثبات كل شيء لا أقل من أن يقتضي زوال عدمه الذي كان، إلا أن الزائل ههنا ليس حكماً شرعياً، بل الزائل محض البراءة الأصلية، ومثل هذه الإزالة لا يمتنع إثباتها بخبر الواحد، وإنما قلنا إن الزائل محض العدم الأصلي، وذلك لأن إيجاب الجلد مفهوم مشترك بين إيجاب التغريب وبين إيجابه مع نفي التغريب.
والقدر المشترك بين القسمين لا إشعار له بواحد من القسمين.
فإذن إيجاب الجلد لا إشعار فيه ألبتة لا بإيجاب التغريب ولا بعدم إيجابه، إلا أن نفي التغريب كان معلوماً بالعقل نظراً إلى البراءة الأصلية، فإذا جاء خبر الواحد ودل على وجوب التغريب، فما أزال ألبتة شيئاً من مدلولات اللفظ الدال على وجوب الجلد بل أزال البراءة الأصلية، فأما كون الجلد وحده مجزياً، وكونه وحده كمال الحد.
وتعلق رد الشهادة عليه، فكل ذلك تابع لنفي وجوب الزيادة.
فلما كان ذلك النفي معلوماً بالعقل جاز قبول خبر الواحد فيه، كما أن الفروض لو كانت خمساً لتوقف على أدائها الخروج عن عهدة التكليف، وقبول الشهادة ولو زيد فيها شيء آخر لتوقف الخروج عن العهدة وقبول الشهادة على أداء تلك الزيادة، مع أنه يجوز إثباته بخبر الواحد والقياس فكذا ههنا.