البحث الرابع : فيما يدل على صدور الزنا منه، اعلم أن ذلك لا يحصل إلا من أحد ثلاثة أوجه، إما بأن يراه الإمام بنفسه أو بأن يقر أو بأن يشهد عليه الشهود، أما الوجه الأول : وهو ما إذا رآه الإمام قال الإمام محيي السنة في كتاب التهذيب لا خلاف أن على القاضي أن يمتنع عن القضاء بعلم نفسه مثل ما إذا ادعى رجل على آخر حقاً وأقام عليه بينة، والقاضي يعلم أنه قد أبرأه، أو ادعى أنه قتل أباه وقت كذا، وقد رآه القاضي حياً بعد ذلك، أو ادعى نكاح امرأة وقد سمعه القاضي طلقها، لا يجوز أن يقضي به وإن أقام عليه شهوداً، وهل يجوز للقاضي أن يقضي بعلم نفسه مثل أن ادعى عليه ألفاً وقد رآه القاضي أقرضه أو سمع المدعي عليه أقربه فيه قولان أصحهما وبه قال أبو يوسف ومحمد والمزني رحمهم الله، أنه يجوز له أن يقضي بعلمه لأنه لما جاز له أن يحكم بشهادة الشهود وهو من قولهم على ظن فلأن يجوز بما رآه وسمعه وهو منه على علم أولى، قال الشافعي رحمه الله في كتاب الرسالة أقضي بعلمي وهو أقوى من شاهدين أو بشاهدين وشاهد وامرأتين وهو أقوى من شاهد ويمين أو بشاهد ويمين وهو أقوى من النكول ورد اليمين.
والقول الثاني : لا يقضي بعلمه وهو قول ابن أبي ليلى، لأن انتفاء التهمة شرط في القضاء ولم يوجد هذا في المال، أما في العقوبات فينظر إن كان ذلك من حقوق العباد كالقصاص وحد القذف هل يحكم فيه بعلم نفسه يرتب على المال إن قلنا هناك لا يقضي فههنا أولى وإلا فقولان، والفرق أن مبنى حقوق الله تعالى على المساهلة والمسامحة، ولا فرق على القولين أن يحصل العلم للقاضي في بلد ولايته وزمان ولايته أو في غيره، وقال أبو حنيفة رحمه الله إن حصل له العلم في بلد ولايته أو في زمان ولايته له أن يقضي بعلمه وإلا فلا، فنقول العلم لا يختلف باختلاف هذه الأحوال، فوجب أن لا يختلف الحكم باختلافها والله أعلم.