وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ :" فِي إكْرَاهِ السُّلْطَانِ " مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْخَلِيفَةَ، فَإِنْ كَانَ قَدْ أَرَادَ هَذَا فَإِنَّمَا أُسْقِطَ الْحَدُّ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَسَقَ وَانْعَزَلَ عَنْ الْخِلَافَةِ بِإِكْرَاهِهِ إيَّاهُ عَلَى الزِّنَا فَلَمْ يَبْقَ هُنَاكَ مَنْ يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهِ، وَالْحَدُّ إنَّمَا يُقِيمُهُ السُّلْطَانُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ سُلْطَانٌ لَمْ يُقَمْ الْحَدُّ، كَمَنْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مِنْ دُونِ الْخَلِيفَةِ، فَإِنْ كَانَ أَرَادَ ذَلِكَ فَوَجْهُهُ أَنَّ السُّلْطَانَ مَأْمُورٌ بِالتَّوَصُّلِ إلَى دَرْءِ الْحَدِّ، فَإِذَا أَكْرَهَهُ عَلَى الزِّنَا فَإِنَّمَا أَرَادَ التَّوَصُّلَ إلَى إيجَابِهِ، فَلَا تَجُوزُ لَهُ إقَامَتُهُ إذًا ؛ لِأَنَّهُ بِإِكْرَاهِهِ أَرَادَ التَّوَصُّلَ إلَى إيجَابِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَيَسْقُطُ الْحَدَّ.
وَأَمَّا إذَا أَكْرَهَهُ غَيْرُ سُلْطَانٍ فَإِنَّ الْحَدَّ وَاجِبٌ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ الْإِكْرَاهَ يُنَافِي الرِّضَا، وَمَا وَقَعَ عَنْ طَوْعٍ وَرِضًا فَغَيْرُ مُكْرَهٍ عَلَيْهِ، فَلَمَّا كَانَتْ الْحَالُ شَاهِدَةً بِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُ بِالْفِعْلِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ مُكْرَهًا وَدَلَالَةُ الْحَالِ عَلَى مَا وَصَفْنَا أَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ حَالَ الْإِكْرَاهِ هِيَ حَالُ خَوْفٍ وَتَلَفِ النَّفْسِ وَالِانْتِشَارُ وَالشَّهْوَةُ يُنَافِيهِمَا الْخَوْفُ وَالْوَجَلُ


الصفحة التالية
Icon