وَقَوْلُهُ :﴿ لَعَلَّك لَمَسْت لَعَلَّك قَبَّلْت ﴾ يُفِيدُ حُكْمَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى إقْرَارِهِ بِالزِّنَا دُونَ اسْتِثْبَاتِهِ فِي مَعْنَى الزِّنَا حَتَّى يُبَيِّنَهُ بِصِفَةٍ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ أَنَّهُ زِنًا، وَقَوْلُهُ :﴿ لَعَلَّك لَمَسْت لَعَلَّك قَبَّلْت ﴾ تَلْقِينٌ لَهُ الرُّجُوعَ عَنْ الزِّنَا وَأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ اللَّمْسَ، كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لِلسَّارِقِ :﴿ مَا إخَالُهُ سَرَقَ ﴾، وَنَظِيرُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ جِيءَ بِامْرَأَةٍ حُبْلَى بِالْمَوْسِمِ وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالُوا : زَنَتْ، فَقَالَ عُمَرُ : مَا يُبْكِيك ؟ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ رُبَّمَا اُسْتُكْرِهَتْ عَلَى نَفْسِهَا يُلَقِّنُهَا ذَلِكَ، فَأَخْبَرَتْ أَنَّ رَجُلًا رَكِبَهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ، فَقَالَ عُمَرُ : لَوْ قُتِلَتْ هَذِهِ لَخَشِيت أَنْ تَدْخُلَ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْأَخْشَبَيْنِ النَّارُ، فَخَلَّى سَبِيلَهَا.
وَرُوِيَ أَنَّ
عَلِيًّا قَالَ لِشُرَاحَةَ حِينَ أَقَرَّتْ عِنْدَهُ بِالزِّنَا : لَعَلَّك عَصِيَتْ نَفْسُك ؟ قَالَتْ : أَتَيْت طَائِعَةً غَيْرَ مُكْرَهَةٍ، فَرَجَمَهَا.
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ ﴾ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ رُجُوعِهِ عَنْ إقْرَارِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا امْتَنَعَ مِمَّا بَذَلَ نَفْسَهُ لَهُ بَدِيًّا قَالَ :﴿ هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ ﴾، وَلَمَّا لَمْ يَجْلِدْهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ الرَّجْمَ وَالْجَلْدَ لَا يَجْتَمِعَانِ.


الصفحة التالية
Icon