في تعدد القذف اعلم أنه إما أن يقذف شخصاً واحداً مراراً أو يقذف جماعة، فإن قذف واحداً مراراً نظر إن كان أراد بالكل زنية واحدة بأن قال : زنيت بعمرو قاله مراراً لا يجب إلا حد واحد، ولو أنشأ الثاني بعدما حد للأول عزر للثاني، وإن قذفها بزنيات مختلفة بأن قال زنيت بزيد، ثم قال زنيت بعمرو، فهل يتعدد الحد أم لا ؟ فيه قولان : أحدهما : يتعدد اعتباراً باللفظ ولأنه من حقوق العباد فلا يقع فيه التداخل كالديون والثاني : وهو الأصح يتداخل فلا يجب فيه إلا حد واحد لأنهما حدان من جنس واحد لمستحق واحد فوجب أن يتداخل كحدود الزنا، ولو قذف زوجته مراراً، فالأصح أنه يكتفي بلعان واحد سواء قلنا يتعدد الحد أو لا يتعدد.
أما إذا قذف جماعة معدودين نظر، إن قذف كل واحد بكلمة يجب عليه لكل واحد حد كامل، وعند أبي حنيفة رحمه الله : لا يجب عليه إلا حد واحد.
واحتج أبو بكر الرازي على قول أبي حنيفة بالقرآن والسنة والقياس.
أما القرآن فهو قوله تعالى :﴿والذين يَرْمُونَ المحصنات﴾ والمعنى أن كل أحد يرمي المحصنات وجب عليه الجلد، وذلك يقتضي أن قاذف جماعة من المحصنات لا يجلد أكثر من ثمانين فمن أوجب على قاذف جماعة المحصنات أكثر من حد واحد فقد خالف الآية.
وأما السنة : فما روى عكرمة عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي ﷺ بشريك بن سحماء، فقال النبي عليه السلام :" لا، البينة أو حد في ظهرك " فلم يوجب النبي ﷺ على هلال إلا حداً واحداً مع قذفه لإمرأته ولشريك بن سحماء، إلى أن نزلت آية اللعان فأقيم اللعان في الزوجات مقام الحد في الأجنبيات.