البحث الأول : اعلم أن الله تعالى حكم في القاذف إذا لم يأت بأربعة شهداء بثلاثة أحكام أحدها : جلد ثمانين وثانيها : بطلان الشهادة وثالثها : الحكم بفسقه إلى أن يتوب، واختلف أهل العلم في كيفية ثبوت هذه الأحكام، بعد اتفاقهم على وجوب الحد عليه بنفس القذف عند عجزه عن إقامة البينة على الزنا، فقال قائلون قد بطلت شهادته ولزمه سمة الفسق قبل إقامة الحد عليه وهو قول الشافعي والليث بن سعد.
وقال أبو حنيفة ومالك وأبو يوسف ومحمد وزفر شهادته مقبولة ما لم يحد.
قال أبو بكر الرازي وهذا مقتضى قولهم إنه غير موسوم بسمة الفسق ما لم يقع به الحد.
لأنه لو لزمته سمة الفسق لما جازت شهادته إذ كانت سمة الفسق مبطلة لشهادة من وسم بها، ثم احتج أبو بكر على صحة قول أبي حنيفة رحمه الله بأمور : أحدها : قوله سبحانه :﴿والذين يَرْمُونَ المحصنات ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فاجلدوهم ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾ ظاهر الآية يقتضي ترتب وجوب الحد على مجموع القذف والعجز عن إقامة الشهادة، فلو علقنا هذا الحكم على القذف وحده قدح ذلك في كونه معلقاً على الأمرين وذلك بخلاف الآية، وأيضاً فوجوب الجلد حكم مرتب على مجموع أمرين فوجب أن لا يحصل بمجرد حصول أحدهما، كما لو قال لامرأته إن دخلت الدار وكلمت فلاناً فأنت طالق، فأتت بأحد الأمرين دون الآخر لم يوجد الجزاء فكذا ههنا وثانيها : أن القاذف لا يحكم عليه بالكذب بمجرد قذفه وإذا كان كذلك وجب أن لا ترد شهادته بمجرد القذف.