" الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب " فأخبر أن أحدهما بغير تعيين هو الكاذب ولم يحكم بكذب القاذف، وفي ذلك دليل على أن نفس القذف لا يوجب كونه كاذباً الثالث : قوله تعالى :﴿لَّوْلاَ جَاءو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ الله هُمُ الكاذبون﴾ [ النور : ١٣ ] فلم يحكم بكذبهم بنفس القذف فقط، فثبت بهذه الوجوه أن القاذف غير محكوم عليه بكونه كاذباً بمجرد القذف، وإذا كان كذلك وجب أن لا تبطل شهادته بمجرد القذف لأنه كان عدلاً ثقة والصادر عنه غير معارض، ولما كان يجب أن يبقى على عدالته فوجب أن يكون مقبول الشهادة وثالثها : قوله عليه الصلاة والسلام :" المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا محدوداً في قذف " أخبر النبي ﷺ ببقاء عدالة القاذف ما لم يحد ورابعها : ما روى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قصة هلال بن أمية لما قذف امرأته عند رسول الله ﷺ فقال رسول الله :" يجلد هلال وتبطل شهادته في المسلمين " فأخبر أن بطلان شهادته متعلق بوقوع الجلد به وذلك يدل على أن مجرد القذف لا يبطل الشهادة وخامسها : أن الشافعي رحمه الله زعم أن شهود القذف إذا جاءوا متفرقين قبلت شهادتهم، فإن كان القذف قد أبطل شهادته فواجب أن لا يقبلها بعد ذلك، وإن شهد معه ثلاثة لأنه قد فسق بقذفه ووجب الحكم بكذبه، وفي قبول شهادتهم إذا جاءوا متفرقين ما يلزمه أن لا تبطل شهادتهم بنفس القذف، وأما وجه قول الشافعي رحمه الله فهو أن الله تعالى رتب على القذف مع عدم الإتيان بالشهداء الأربعة أموراً ثلاثة معطوفاً بعضها على بعض بحرف الواو، وحرف الواو لا يقتضي الترتيب.
فوجب أن لا يكون بعضها مرتباً على البعض، فوجب أن لا يكون رد الشهادة مرتباً على إقامة الحد، بل يجب أن يثبت رد الشهادة سواء أقيم الحد عليه أو ما أقيم، والله أعلم.