" التائب من الذنب كمن لا ذنب له " ومن لا ذنب له مقبول الشهادة، فالتائب يجب أن يكون أيضاً مقبول الشهادة وثانيها : أن الكافر يقذف فيتوب عن الكفر فتقبل شهادته بالإجماع، فالقاذف المسلم إذا تاب عن القذف وجب أن تقبل شهادته، لأن القذف مع الإسلام أهون حالاً من القذف مع الكفر، فإن قيل المسلمون لا يألمون بسب الكفار، لأنهم شهروا بعداوتهم والطعن فيهم بالباطل، فلا يلحق المقذوف بقذف الكافر من الشين والشنآن ما يلحقه بقذف مسلم مثله، فشدد على القاذف من المسلمين زجراً عن إلحاق العار والشنآن، وأيضاً فالتائب من الكفر لا يجب عليه الحد والتائب من القذف لا يسقط عنه الحد، قلا هذا الفرق ملغى بقوله عليه السلام :" أنبئهم أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين " وثالثها : أجمعنا على أن التائب عن الكفر والقتل والزنا مقبول الشهادة فكذا التائب عن القذف، لأن هذه الكبيرة ليست أكبر من نفس الزنا ورابعها : أن أبا حنيفة رحمه الله يقبل شهادته إذ تاب قبل الحد مع أن الحد حق المقذوف فلا يزول بالتوبة.
فلأن تقبل شهادته إذا تاب بعد إقامة الحد وقد حسنت حالته وزال اسم الفسق عنه كان أولى وخامسها : أن قوله :﴿إِلاَّ الذين تَابُواْ﴾ استثناء مذكور عقيب جمل فوجب عوده إليها بأسرها ويدل عليه أمور : أحدها : أجمعنا على أنه لو قال عبده حر وامرأته طالق إن شاء الله، فإنه يرجع الاستثناء إلى الجميع فكذا فيما نحن فيه، فإن قيل الفرق أن قوله :﴿إِن شَاء الله﴾ [ يوسف : ٩٩ ] يدخل لرفع حكم الكلام حتى لا يثبت فيه شيء، والاستثناء المذكور بحرف الاستثناء لا يجوز دخوله لرفع حكم الكلام رأساً.


الصفحة التالية
Icon