وأما آية القذف فإن ابتداءها أمر وآخرها خبر فلا يجوز أن ينظمهما جملة واحدة، وكان الواو للاستئناف فيختص الاستثناء به، قلنا لم لا يجوز أن نجعل الجمل الثلاث بمجموعهن جزاء الشرط كأنه قيل ومن قذف المحصنات فاجلدوهم وردوا شهادتهم وفسقوهم، أي فاجمعوا لهم الجلد والرد والفسق، إلا الذين تابوا عن القذف وأصلحوا فإن الله يغفر لهم فينقبون غير مجلودين ولا مردودين ولا مفسقين وثالثها : أن قوله :﴿وَأُوْلَئِكَ هُمُ الفاسقون﴾ عقيب قوله :﴿وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً﴾ يدل على أن العلة في عدم قبول تلك الشهادة كونه فاسقاً، لأن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلية، لا سيما إذا كان الوصف مناسباً وكونه فاسقاً يناسب أن لا يكون مقبول الشهادة، إذا ثبت أن العلة لرد الشهادة ليست إلا كونه فاسقاً، ودل الاستثناء على زوال الفسق فقد زالت العلة فوجب أن يزول الحكم لزوال العلة ورابعها : أن مثل هذا الاستثناء موجود في القرآن، قال الله تعالى :﴿إِنَّمَا جَزَاء الذين يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ﴾ [ المائدة : ٣٣ ] إلى قوله :﴿إِلاَّ الذين تَابُواْ﴾ [ البقرة : ١٦٠ ] ولا خلاف أن هذا الاستثناء راجع إلى ما تقدم من أول الآية، وأن التوبة حاصلة لهؤلاء جميعاً وكذلك قوله :﴿لاَ تَقْرَبُواْ الصلاة وَأَنتُمْ سكارى﴾ إلى قوله :﴿فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ﴾ [ النساء : ٤٣ ] وصار التيمم لمن وجب عليه الاغتسال، كما أنه مشروع لمن وجب عليه الوضوء، وهذا الوجه ذكره أبو عبيد في إثبات مذهب الشافعي رحمه الله، واحتج أصحاب أبي حنيفة على أن حكم الاستثناء مختص بالجملة الأخيرة بوجوه : أحدها : أن الاستثناء من الاستثناء يختص بالجملة الأخيرة، فكذا في جميع الصور طرداً للباب وثانيها : أن المقتضي لعموم الجمل المتقدمة قائم والمعارض وهو الاستثناء يكفي في تصحيحه تعليقه بجملة واحدة، لأن بهذا القدر يخرج الاستثناء عن أن