وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ وَالْفُقَهَاءُ فِي التَّعْرِيضِ بِالزِّنَا، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ وَمُحَمَّدٌ وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَالشَّافِعِيُّ :" لَا حَدَّ فِي التَّعْرِيضِ بِالْقَذْفِ ".
وَقَالَ مَالِكٌ :" عَلَيْهِ فِيهِ الْحَدُّ ".
وَرَوَى الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : كَانَ عُمَرُ يَضْرِبُ الْحَدَّ فِي التَّعْرِيضِ ".
وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ :" أَنَّ رَجُلَيْنِ اسْتَبَّا فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ.
أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ : وَاَللَّهِ مَا أَبِي بِزَانٍ وَلَا أُمِّي بِزَانِيَةٍ فَاسْتَشَارَ فِي ذَلِكَ عُمَرُ النَّاسَ، فَقَالَ قَائِلٌ مَدَحَ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَقَالَ آخَرُونَ : قَدْ كَانَ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ مَدْحٌ غَيْرُ هَذَا، نَرَى أَنْ يُجْلَدَ الْحَدَّ، فَجَلَدَهُ عُمَرُ الْحَدَّ ثَمَانِينَ "، وَمَعْلُومٌ أَنَّ عُمَرَ لَمْ يُشَاوِرْ فِي ذَلِكَ إلَّا الصَّحَابَةَ الَّذِينَ إذَا خَالَفُوا قُبِلَ خِلَافُهُمْ، فَثَبَتَ بِذَلِكَ حُصُولُ الْخِلَافِ بَيْنَ السَّلَفِ.
ثُمَّ لَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ :﴿ وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ﴾ هُوَ الرَّمْيُ بِالزِّنَا لَمْ يَجُزْ لَنَا إيجَابُ الْحَدِّ عَلَى غَيْرِهِ ؛ إذْ لَا سَبِيلَ إلَى إثْبَاتِ الْحُدُودِ مِنْ طَرِيقِ الْمَقَايِيسِ وَإِنَّمَا طَرِيقُهَا الِاتِّفَاقُ أَوْ التَّوْقِيفُ وَذَلِكَ مَعْدُومٌ فِي التَّعْرِيضِ، وَفِي مُشَاوَرَةِ عُمَرَ الصَّحَابَةَ فِي حُكْمِ التَّعْرِيضِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ فِيهِ تَوْقِيفٌ، وَأَنَّهُ قَالَهُ اجْتِهَادًا وَرَأْيًا.