وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ حَدَّ الْعَبْدِ فِي الزِّنَا خَمْسُونَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ حَدِّ الْحُرِّ لِأَجْلِ الرِّقِّ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ ﴾ فَنَصَّ عَلَى حَدِّ الْأَمَةِ وَأَنَّهُ نِصْفُ حَدِّ الْحُرَّةِ، وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ بِمَنْزِلَتِهَا لِوُجُودِ الرِّقِّ فِيهِ، كَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حَدُّهُ فِي الْقَذْفِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ حَدِّ الْحُرِّ لِوُجُودِ الرِّقِّ فِيهِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي قَاذِفِ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَالشَّافِعِيُّ :" لَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ ".
وَقَالَ مَالِكٌ :" لَا يُحَدُّ قَاذِفُ الصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ يُجَامِعُ إذَا لَمْ يَبْلُغْ، وَيُحَدُّ قَاذِفُ الصَّبِيَّةِ إذَا كَانَ مِثْلُهَا تُجَامَعُ وَإِنْ لَمْ تُحْصَنْ، وَيُحَدُّ قَاذِفُ الْمَجْنُونِ ".
وَقَالَ اللَّيْثُ " يُحَدُّ قَاذِفُ الْمَجْنُونِ ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : الْمَجْنُونُ وَالصَّبِيُّ وَالصَّبِيَّةُ لَا يَقَعُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زِنًا ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مِنْهُمْ لَا يَكُونُ زِنًا ؛ إذْ كَانَ الزِّنَا فِعْلًا مَذْمُومًا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْعِقَابَ وَهَؤُلَاءِ لَا يَسْتَحِقُّونَ الْعِقَابَ عَلَى أَفْعَالِهِمْ، فَقَاذِفُهُمْ بِمَنْزِلَةِ قَاذِفِ الْمَجْنُونِ لِوُقُوعِ الْعِلْمِ بِكَذِبِ الْقَاذِفِ ؛ وَلِأَنَّهُمْ لَا يَلْحَقُهُمْ شَيْنٌ بِذَلِكَ الْفِعْلِ لَوْ وَقَعَ مِنْهُمْ، فَكَذَلِكَ لَا يَشِينُهُمْ قَذْفُ الْقَاذِفِ لَهُمْ بِذَلِكَ.


الصفحة التالية
Icon