قَالَ أَبُو بَكْرٍ : قَدْ ثَبَتَ بِهَذَا الْخَبَرِ أَنَّ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ﴾ الْآيَةَ، كَانَ حُكْمًا عَامًّا فِي الزَّوْجَاتِ كَهُوَ فِي الْأَجْنَبِيَّاتِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ :" بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِك " وَلِأَنَّ عُمُومَ الْآيَةِ قَدْ اقْتَضَى ذَلِكَ، ثُمَّ لَمْ يُوجِبْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هِلَالٍ إلَّا حَدًّا مَعَ قَذْفِهِ لِامْرَأَتِهِ وَلِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ، إلَى أَنْ نَزَلَتْ آيَةُ اللِّعَانِ فَأُقِيمَ اللِّعَانُ فِي الزَّوْجَاتِ مَقَامَ الْحَدِّ فِي الْأَجْنَبِيَّاتِ، وَلَمْ يُنْسَخْ مُوجِبُ الْخَبَرِ مِنْ وُجُوبِ الِاقْتِصَارِ عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ إذَا قَذَفَ جَمَاعَةً، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى قَاذِفِ الْجَمَاعَةِ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ
جِهَةِ النَّظَرِ أَنَّ سَائِرَ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ إذَا وُجِدَ مِنْهُ مِرَارًا لَا يُوجِبُ إلَّا حَدًّا وَاحِدًا، كَمَنْ زَنَى مِرَارًا أَوْ سَرَقَ مِرَارًا أَوْ شَرِبَ مِرَارًا لَمْ يُحَدَّ إلَّا حَدًّا وَاحِدًا، فَكَانَ اجْتِمَاعُ هَذِهِ الْحُدُودِ الَّتِي هِيَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مُوجِبًا لِسُقُوطِ بَعْضِهَا وَالِاقْتِصَارِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا، وَالْمَعْنَى الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهَا حَدٌّ، وَإِنْ شِئْت قُلْت إنَّهُ مِمَّا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ.


الصفحة التالية
Icon